"رسائل سبتمبر" رواية أحمد عبد المنعم رمضان عن الحياة والموت، هى ليست مجرد حكاية عم زياد وليلى، وغيرهما من شخصيات الرواية، لكنها كتابة تشريحية للنفس فى لحظات الإحساس بالخطر، هنا القاهرة مدينة يسيطر عليها الحزن بعد أن اختارها الموت ليخص أهلها بخطابات تعلنهم عن موعد رحيلهم.. وكان لنا لقاء مع الكاتب الروائى أحمد عبد المنعم رمضان جاء فيه:
هل ترى أن الكتابة عن الألم والموت والخوف أكثر إثارة فى العمل الروائى؟
لا أحب الكتابة، أو حتى القراءة، عن الموت والألم ذاتهما، إلا أن أسئلة تراودنى أحيانا عن فلسفتهما، وأثرهما على حياتنا، عندما أقرأ رواية تسرد تفاصيل مرض أو موت أحد الشخصيات، غالبا ما أتخطى تلك الصفحات إلى ما بعدها. فى (رسائل سبتمبر) ورغم أن عدد الشخصيات التى ماتت ضمن أحداث الرواية كبير نسبيا إلا أننى لم أصف احتضار أى منهم، هذا لا يشغلنى ولا يروق لى، حتى مرض ( ليلى) لم أذكر طبيعته أو اسمه، رغم دراستى للطب التى قد تغرينى باستعراض بعض العلم.
أما الخوف فهو فى رأيى المحرك الأساسى لحيواتنا، الخوف هاجس أساسى فى كتاباتى حيث أعتقد أن الخوف والرغبة هما المتحكمان فى حياتنا وقراراتنا وكل خطانا, وفى بلد مثل مصر، بظروفها الاقتصادية والاجتماعية أولا، ثم ظروفها الأمنية أيضا، فللخوف اليد العليا، حيث أنه يحيط بكل تفاصيل يومنا ويشخص إلينا طوال الوقت بعيونه الواسعة.
الرواية خالية تقريبا من البلاغة بالشكل التقليدى لكنها فى الوقت نفسه تمتلك طريقتها فى جذب القارئ.. هل يعنى ذلك أن أحمد عبد المنعم رمضان يدين الكتابات البلاغية؟
بالطبع لا.. أظن أنك تقصد أننى اقتصدت فى التشبيهات والاستعارات، وأن اللغة سردية أكثر منها شاعرية، ربما يكون ذلك صحيحا، لا أعرف، إلا أننى أظن أن ألوانا أخرى من البلاغة كانت حاضرة فى النص بوضوح، التكثيف مثلا، الوصف والمشهدية، إلخ.. أما عن الاقتصاد فى استخدام الاستعارات والتشبيهات، فأنا لم أختر ذلك، النص فرض أسلوبه ولغته منذ بداية كتابته، وهذا لا يعكس موقفا من تلك الأشكال البلاغية التى قد تناسب نصوصا أخرى.
مثلت السياسة خلفية الرواية دون التورط معها بشكل مباشر.. هل تعتبر ثورة يناير وما بعدها مادة خصبة لكتابة روائية وعلينا أن نبدأ فى استغلالها كتابيا؟
للثورة أكبر الأثر فى نفسى أنا وآخرين، الأمل الكبير، المفاجأة العظيمة، الحلم، الحماس المتقد ثم الانكسار والهزيمة والكابوس... البعض يظن أننا، أنا وجيلى، سنظل أسرى للحظة 25 يناير، وأن علينا الإفلات من ذلك الأسر، أنا على العكس أرى أنه لا داعى للهروب من الحدث الأكثر تأثيرا فى حياتنا، طالما كنا قادرين على مناقشته برؤى مختلفة، عرضه بأشكال جديدة، دون فخ الوقوع فى المباشرة والتنظير والتكرار، وكما كان تأثير ثورة 19 وسعد زغلول حاضرا بأعمال نجيب محفوظـ، والنكسة وانتفاضة 77 موجودان بقوة فى أعمال كتاب الستينيات والسبعينيات، فثورة يناير أيضًا ستظل حاضرة بكتابتنا بشكل أو بآخر، حتى ولو بصيغ غير مباشرة.
هذه الأسئلة تدفعنى لسؤال: ما مفهوم أحمد عبد المنعم عن الرواية؟
لابد أن أذكر أننى أيضا أكتب القصة القصيرة، بل لقد بدأت أولا بكتابة القصص ومازلت، ورغم أن أغلبنا يتنقل بين الرواية والقصة عبر مشواره، إلا أننى أعتقد أن كل منا هو إما روائى وإما قاص، وينتقل تحت سطوة فكرة معينة أو هاجس محدد إلى العالم الآخر حاملا معه أدواته الأصلية، فيكتب الرواية بروح القصة أو القصة بطعم الرواية.. الروائى ينظر إلى العالم نظرة بانورامية، أما القاص فينظر بتقنية الزووم، يرصد تفاصيل لقطة صغيرة ويفصصها، حتى تعكس لك قصته الصورة الأشمل والأعم، فتكشف التفاصيل ما قد تعجز الصورة البانورامية عن كشفه رغم اتساعها أو ربما بسببه... كما أن القصص تفسح مساحة أكبر للعب، للحرية، ساحة مفتوحة لا تحدها أسوار، وأنا شخصيا أحب اللعب، أما الروائى فهو أكثر التزاما، أكثر احترافية، يجلس إلى مكتبه فى ساعات معينة، يغالب ملله ويستخدم خبرته ليتم مشروعه الذى يتخيله والفكرة التى تسكنه.
المشهد السردى وتقييماته التى تصنعها الجوائز الأدبية.. هل يرضيك؟
المشهد بأكمله مرتبك، الدولة لا تقوم بدورها فى دعم المبدعين وهذا متسق مع دولة تتخلى عن المبدعين وذلك يتداعى على كل المجالات، كما المشهد النقدى مضطرب تماما، المجلات الثقافية تتوقف أكثر مما تنتظم، الناشرون يبحثون عن كتابات بعينها، لا يحبون الشعر أو النوفيلات أو القصص القصيرة أو التجريب، كما يتبنى العديد منهم سياسة النشر بعد الدفع، وفى ظل تلك الظروف، أصبحت الجوائز هى الملجأ للكثير من الكتاب الباحثين عن إثبات وجودهم، واستطاعت أن تفرض قوانينها على كتاباتهم، فتضخمت الروايات وزاد عدد صفحاتها وتحددت موضوعاتها وبعدت عن التجريب سعيا وراء الجوائز.
رسائل سبتمبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة