هل يجب أن ترتبط المواطنة بالعقيدة الدينية؟ المواطنة هى مجموعة من الحقوق والواجبات التى يحصل عليها الفرد، ويلتزم بأدائها نظير انتمائه لوطن محدد بأرض جغرافية. يستوى فى هذا كل المواطنين بصرف النظر عن أى فوارق أخرى إثنية أو جغرافية أو عرقية أو دينية أو لغوية أو إعاقة أو مستوى اجتماعى أو انتماء سياسى أو لأى سبب آخر، وذلك حسب المادة 53 من الدستور، ولذلك فمن التعسف تفسير فكرة المواطنة وكأنها شكل من أشكال الأنتماء الدينى، وكأن المختلف فى الدين عند دين الأغلبية العددية ليس مواطناً ولا يحق له التمتع بحقوقها، فإن التدين فكرة قابلة للتغيير حسب النمو العقلى والإدراكى، فالدين والتدين يتوارثهما الفرد بناءً على دين أسرته، ولكن هذا التوريث لا يعنى حقيقة الإيمان ولا معرفة عمق الدين إلا بعد إدراك الفرد العقلى والفكرى والثقافى، وهذا يتم فى إطار الدين والعقيدة والأفكار والمبادئ، كما أن التدين هو علاقة خاصة جدا بين الله وبين الفرد لا يعلمها ولا يعرفها غير الله، ولذلك فالحكم على تدين الآخر شكلى وليس جوهريا «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل»، «ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا آباكم الذى فى السماوات»، فالحكم هنا ظاهرى شكلى على الأعمال الظاهرة، أما الباطن والقلب فهذان شيئان لا يعلمها إلا الله، فهو فاحص القلوب، ولذلك لا يجب خلط فكرة الدين والتدين بالمواطنة التى تبنى على أساس أن الفرد الذى يعيش على أرض الوطن، وينتمى إليه يكون له حقوق مقابل واجبات الذى يحدد هذه الحقوق وتلك والواجبات، ويحدد العلاقة بين المواطنين وبين الحاكم هو القانون المستمد الذى لا يتعارض مع أحكام الدستور، فالتدين يمكن أن يمارسه الفرد فى أى مكان وفى أى دولة وفى كل الظروف، ولكنه لا يستطيع أن يمارس حق المواطنة على أرض غير أرض وطنه الذى ينتمى إليه.
والدستور هنا وحدة متكاملة لا تتناقض مواده بعضها مع البعض الآخر، وإذا كان الدستور قد ساوى بين المصريين دون تمييز فى المادة 53 فهو أعطى الحرية المطلقة للعبادة فى المادة 64. كما أن المادة الثانية التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فهنا المقصود ليس الآراء والاجتهادات البشرية التى تعتمد على الفكر الدينى وهو فكر البشرى فى تفسير النص الدينى، ذلك الفكر الذى أوجد كثيراً من التفاسير وعديداً من الاجتهادات، ولذلك وجدنا كثيرا من الخلاف فى هذه التفاسير، ولكن الدستور هنا قال فى مقدمته: إن المرجع فى تفسير الشريعة هو ما تضمنته مجموع أحكام المحكمة الدستورية فى هذا الشأن، والمقصود بالطبع الأحكام والمقاصد العليا للإسلام التى تقبل الآخر، وتقر الاختلاف، وتمنح حرية الإيمان، وتحافظ على نفس الإنسان مطلق إنسان، وهذا يعنى أن الدين والتدين وحرية العقيدة متاحة للجميع بالدستور والقانون، فالعقيدة والتدين واعتناق أى دين لا يحدد حقوق ولا واجبات لصاحب دين عن دين آخر. فهذه وتلك للقانون وليس للدين، فأحكام الدين ألزمها الدستور للمشرع عند تشريع القانون، ولذلك يصبح هنا القانون هو الفيصل وهو الذى يحدد الحقوق والواجبات لكل المصريين بلا تمييز، ولذا لا يجب أن تخضع تلك الحقوق وهذه الواجبات إلى اجتهادات شخصية أو مصالح ذاتية أو متاجرة بالأديان التى كانت على مر الزمان ولكل الأديان، الخلاف الدينى بين الأديان هو طبيعى والتعددية الدينية هى إرادة الله، ولما كان الإنسان قبل الأديان وكانت القيم والإخلاق الإنسانية قد عرفها الإنسان، حيث إن الله هو الذى خلق الإنسان مطلق إنسان، وكرمه على سائر المخلوقات وهو الذى أراد للإنسان أن يعرف هذه الأخلاق لا يمكن أن يأتى الله بالأديان لتناقض مصلحة الإنسان، ولتسقط القيم والأخلاق الإنسانية التى تحفظ الإنسان وتكرمه.
فالأديان كلها تحافظ على إنسانية الإنسان، وتدعو إلى الأخلاق، وتدعم التشاركية التى كانت هى سنة الخلق منذ آدم، عليه السلام، ولذا فالخلاف الدينى مشروع والإيمان بالدين بأنه الحقيقة المطلقة دون غيره من الأديان أمراً طبيعياً، فهذا الخلاف المشروع الذى نطلق عليه لغوياً الكفر، أى عدم الإيمان بما يؤمن به الآخر فهذا طبيعى أيضا، ولكن الإشكالية هنا أن مفهوم الكفر على المستوى الاجتماعى ولدى العامه نتيجة للفكر الدينى الخاطئ الذى لا يقبل الآخر أصبح الكفر هو عدم الإيمان بالله ورفض الإسلام، تحديداً أى محاربة الإسلام، هنا يصبح واجباً محاربة الكافر وقتلة وسحقة، بل حرقه، وهذه هى سلوكيات الدواعش نتيجة لذلك الفكر الدينى الخاطئ.
وبالرغم من هذا الخلاف الدينى المشروع ولكن الأديان تدعو إلى السلام والمحبة وقبول الآخر، فهذا الخلاف قد أراده الله «لكل جعلنا منكم شرعتً ومنهاجاً»، «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم»، وإذا كان الله أراد التعددية فلابد أن يتوازى معها وحدانية الله وتفرده فى حساب البشر وكل الشرائع. «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد»، أى من حق كل واحد أن يؤمن بالدين الذى يهتدى إليه، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا علاقة بين هذه الدعوة وبين الإساءة لدين الآخر أو السخرية منه أو الازدراء عليه، كما أن أحكام الدين التى يلتزم بها المؤمن لا يحق له أن يلزم بها الآخر «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وعلى هذا فلا عبدالجليل ولا زكريا بطرس وصيان على الإسلام والمسيحية، ولا هما حاميان للإسلام والمسيحية. الله لا يحتاج لمن يدافع عنه، ولكن إلى من يؤمن به ويعرف وصاياه ويلتزم بحدوده ويقبل الآخر.
دينك لنفسك وبينك بين ربك، لكن الوطن للجميع ولكل الأديان والحكم للدستور والقانون، وليست للرؤية الخاصة والاجتهاد الذاتى، فالقانون وحده هو الذى يحدد الأمور، ويضبط الأوضاع، ويمنع المتاجرة بالأديان، حمى الله مصر وشعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة