ارتبطت مصر والولايات المتحدة بعلاقة ثنائية قوية منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، كان أساسها معاهدة كامب ديفيد، التى نصت على منح مصر مساعدات عسكرية سنوية مقابل السلام مع إسرائيل، ومنذ ذلك الحين بنيت علاقات قوية قائمة على المصالح المتبادلة بين البلدين.
وبينما يزور الرئيس عبدالفتاح السيسى واشنطن بناء على دعوة رسمية من الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، توجد الكثير من الملفات التى تتطلع الولايات المتحدة للتأكيد على أهميتها فى العلاقات بين البلدين. وقد كشف البيت الأبيض فى بيانه الخاص بزيارة الرئيس «السيسى» لواشنطن أن الزعيمين المصرى والأمريكى سوف يبحثان خلال لقائهما كيفية هزيمة تنظيم «داعش»، وجهود تحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة، وهما القضيتان اللتان تشكلان حاليًا محور التعاون بين البلدين.
تمثل مصر شريكًا مهمًا للولايات المتحدة فى المنطقة، حيث هناك بالفعل شراكة إيجابية على صعيد الأمن وتبادل المعلومات الاستخباراتية، فضلًا عن المنافع التجارية لكلا الجانبين، غير أن التعاون الأمنى، الذى يشمل مكافحة الإرهاب، يشكل أساسًا حاسمًا للعلاقة بين البلدين، لذا يرى بعض الخبراء الأمريكيين، من بينهم الجنرال الأمريكى جيمس ستافرديس، عميد كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية، إمكانية تحسين هذه العلاقات من خلال تشجيع مستويات أعلى من الاتصال العسكرى بين البلدين.
ودعا المسؤول العسكرى السابق، فى مقال بمجلة «فورين بوليسى»، فبراير الماضى، إلى قيام وزير الدفاع الأمريكى، جيمس ماتيس، بزيارة لكل من القاهرة وتل أبيب، للتأكيد على أهمية العلاقات، ودعمها بمستويات معقولة من التمويل والتكنولوجيا العسكرية، كما أكد خبراء أمريكيون فى معهدى «الشرق الأوسط» و«إنتربرايز» أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التعاون فى مجال التبادل الاستخباراتى مع القاهرة، من أجل إحراز تقدم فى المعركة الأكبر ضد الإرهاب.
قناة السويس
وتشكل قناة السويس محورًا رئيسيًا فى المصالح الأمريكية لدى مصر، إذ تحتاج دائمًا واشنطن ضمان بقاء قناة السويس مفتوحة، سواء مجالها الجوى أمام الطائرات الأمريكية، أو كمجرى مائى للسفن العملاقة، وهو ما يحتاج ضمان أمن القناة، والبقاء على علاقات قوية مع القاهرة. فبينما تحتاج الولايات المتحدة لأسابيع عدة للحصول على تصريح للتحليق فى أجواء بعض الدول الحليفة، فإن مصر تسمح لها بالتحليق الحر تقريبًا، استنادًا إلى ما هو قائم من ثقة متبادلة بين الجانبين، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، وفقدان هذا المسار الجوى سيطيل بشكل كبير زمن الرحلات الجوية الأمريكية، كما تتمتع السفن الحربية الأمريكية بتعامل تفضيلى فى أوقات الطوارئ، ويسمح لها بتجاوز السفن المنتظرة على مدخل القناة، ودون المساعدة المصرية ستطول فترة العمليات الأمريكية فى المنطقة.
وتمر أكثر من ثلاثين سفينة- بما فى ذلك حاملات أمريكية بحرية للطائرات عاملة بالطاقة النووية- فى قناة السويس سنويًا، على أساس مستعجل، كما تمر أكثر من ألفى طائرة عسكرية سنويًا فى المجال الجوى المصرى، وقد تتضاعف هذه الأرقام كثيرًا فى أوقات الحرب. وفى حين تتوفر حلول بديلة أكثر التفافية، فإن سهولة سلوك هذه السبل جعل من مصر ثروة كبيرة فى رصيد الدفاع الأمريكى داخل الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا.
وقد حثت مجلة «فورين بوليسى» فى وقت سابق من الشهر الإدارة الأمريكية على العمل مع الشركاء المصريين، لضمان أمن قناة السويس، وهو ما يتطلب مستويات أفضل من التبادل الاستخباراتى، وتطوير التكنولوجيا الجديدة للمراقبة، وتمارين مكافحة الإرهاب، والتبادلات المكررة للمعلومات البحرية والصناعية.
ويعول الرئيس الأمريكى كثيرًا على مصر على صعيد مكافحة الإرهاب فى المنطقة، وبرز ذلك مرارًا فى تصريحاته حيث قال خلال حشد انتخابى بولاية أوهايو، فى أغسطس الماضى، حيث كان لا يزال مرشحًا للرئاسة، إنه سيتعاون مع الرئيس «السيسى» وملك الأردن عبدالله الثانى، من أجل مكافحة الإرهاب، مشيرًا إلى أن «لديهما سياسة واضحة رافضة لثقافة الموت التى يتبناها تنظيم داعش».
وفى أول اتصال هاتفى بين الرئيس «السيسى» و«ترامب» بعد تنصيبه فى 20 يناير الماضى، أثار الرئيس الأمريكى قضية مكافحة الإرهاب، حيث طالما يرى مصر ركيزة أساسية فى مواجهة هذا الخطر الذى يهدد العالم.
وبحسب تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكى، أغسطس الماضى، فإن موقف الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط تعزز بفعل علاقتها الوثيقة مع قوى إقيليمة بارزة، فطالما شكلت مصر مركز الثقل فى العالم العربى. وكشف التقرير عن أن مصر غالبًا ساعدت الحكومة الأمريكية على اختراق الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم «القاعدة»، وتنظيم «داعش»، من خلال الاعتماد على عملاء مخابرات مدربين تدريبًا جيدًا، وانتشار عناصر مصرية فى الكثير من الجماعات المتطرفة الناشطة فى الشرق الأوسط.
وقد أكد خبراء أمريكيون بارزون أهمية مصر، والدور البارز الذى يمكن أن تلعبه فى استراتيجية إدارة «ترامب» فى مكافحة الإرهاب. ففى تقرير أصدره مركز التقدم الأمريكى الشهر الماضى عن العلاقات المصرية الأمريكية فى ظل إدارة «ترامب»، قال المركز إن التعاون الأمنى بين البلدين يجب أن يركز على أربعة أساسات، أو مناطق الأولوية كما أسماها، وهى محاربة الإرهاب، وسيناء، وأمن الحدود، والأمن البحرى.
وفضلًا عن التعاون الأمنى الواسع الذى عاد بالفائدة على كلا البلدين، فإن من بين المنافع التى عادت على الولايات المتحدة جراء الشراكة مع مصر، كان شراء القاهرة أسلحة أمريكية، فمن أصل 2 مليار دولار مساعدات سنوية تقدمها واشنطن للقاهرة، وفق معاهدة السلام عام 1979، فإن 1 إلى 3 مليارات مخصصة للمساعدات العسكرية تعود إلى الولايات المتحدة عبر المشتريات العسكرية المصرية على شكل طائرات ودبابات من إنتاج المصانع الأمريكية، التى تشغل عماله أمريكية.
وإقليميًا، هناك الكثير الذى تعول فيه الإدارة الأمريكية على مصر، فى المقدمة عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وفى هذا السياق، قال مايكل روبين، المسؤول السابق بـ«البنتاجون»، الخبير حاليًا فى معهد «إنتربرايز»، فى حوار مع «اليوم السابع»، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحرك فى الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بهذه القضية.
العدد اليومى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة