عرفت قرية "القراموص" التابعة لمركز أبوكبير بالشرقية، على مدار العقود الماضية بصناعة ورق البردى والمنتجات البردية، كانت تشبه الورش والمنازل فيها "خلايا النحل" نظرا لقيام جميع سكانها أطفال ونساء ورجال بالعمل فى تلك الحرفة دون توقف دقيقة، إلا أن "دوام الحال من المحال"، وبدأت تلك الصناعة فى الانقراض من القرية وانتشرت البطالة فيها بعد تدهور السياحة واغتيال الإرهاب لها.
انتقل "اليوم السابع" إلى القرية، عند مدخل القرية وجد الزحف العمرانى كل حقول البردى التى كانت تأخذ العين فور المرور بالقرب منها، لم يعد منها سوى مساحات قليلة محاطة بالبنيات الجديدة، فالوجوه ارتسم عليها البؤس والحزن لتوقف معظمهم عن العمل بالمهنة وبدأت للاتجاه للبحث عن حرف أخرى، والورش أصبحت يسكنها العنكبوت.
وفى الطريق استوقفنا عصام محمد الشحات، 50 سنة والذى كان يمتلك ورشة لصناعة البردى، ويعمل بالمهنة منذ كان طفلا صغيرا، يجلس أمام منزله، ضاربا "كفا بكف" قائلا: "هو عاد فى شغل، احنا من 2007 مع بداية تدهور السياحة والصناعة بدأت تقل ومن 25 يناير واحنا قاعدين فى البيت مفيش الطلب، انا قفلت الورشة مش بشتغل غير مرة أو مرتين بالسنة حسب الطلب منذ يناير، أولادى انصرفوا عن الصنعة واتجهوا للبحث عن لقمة العيش فى مكان مجالات أخرى"، لافتا لأن القرية كانت جميعها تعمل فى البردى، وتدر دخلا مناسبا للأسر، والسيدات كن يعملن فى المنازل فى التلوين بجانب رعاية أطفالهن والرجال داخل الورش فى الغسل والكبس.
مضيفا أنه بجانب توقف السياحة، تضاعفت أسعار المواد الخام، من أول السماد لرعاية الزرع إلى الكلور والبوتاسيوم والصودا الكاوية وأسعار الألوان وغيرها من مستلزمات الإنتاج.
وأضاف محمد إسماعيل دويك، 55 سنة، صاحب إحدى الورش: "إننى أشهر مصدر للبرديات، وكنت أمتلك 3 مصانع يعمل فيها المئات، لكن "منه لله الإرهاب خرب بيوتنا، السياحة وقفت والشغل وقف"، تعرضت لخسائر مالية كبيرة انا وغيرى من الصناع، وبالطبع انصراف الكثير عن الصناعة والزراعة البردى فالمساحات الزراعية تقلصت إلى 10% فقط، وأصبحت الورش التى تعمل فى المهنة لا تعد على الأصابع وجميعها بالطلب وليس بصورة دائما.
وأكد "دويك" إننا كصناع متخصصين فى المهنة، تقدمنا بأفكار متعددة لمحاربة البطالة بعد توقف السياحة منها، فسبق وأن قمنا بتصنيع "البنز" لأوبرا عايدة وطباعة القرآن الكريم على مصحف من ورق البردى، ذلك بالاشتراك مع إحدى الشركات المتخصصة فى مجال الدعايا، مقترحا مشروع صناعة تذاكر طيران ممغنطة لدعم الصناعة والترويج للسياحة.
مضيفا: "إننا نطالب المسئولين بالدولة، بتدعيمنا بقروض طويلة الأجل، وسماد ومستلزمات إنتاج بأسعار مدعمة لعودة الورش والمصانع للعمل مرة أخرى.
وبالانتقال إلى مقر جمعية تنمية المجتمع بالقرية، وجد الصندوق الاجتماعى بدأ فى أن يمنح "قبلة الحياة" لتلك الصناعة العريقة، وبدأت بمنتجات محلية تصنع من البردى، فتقابلنا مع سعيد طرخان مدير الجمعية، الذى قال إن مشروع تمكين المرأة الاقتصادى، منحه قرضا ماليا ومعدات كبس، كما كلف مجموعة من المدربين تابعين للصندوق، للحضور للجمعية ومنحنا دورات تدريبية، لصناعة منتجات تستخدم فى السوق المحلى خلال الشهرين الماضيين، وبالفعل بدأ فى منتصف أبريل باكورة إنتاج منتجات محلية من البردى منها "نتيجة المكتب" التى تحمل تقويم شهور السنة، وعليها رسوم فرعونية، لعبة الطاولة أهم الألعاب المسلية التى يتربط بها عامة الشعب حيث يتم صناعة الهيكل من الخشب الزان وتغليفها بالبردى الذى بدوره حافظ على جودة الألوان لعدة سنوات مقارنة بالطاولة الخشبية، وأيضا دفتر زيارات على ورق البردى للفنادق والمؤتمرات وأيضا كراسة عبارة عن ورق عادى وغلافها من البردى، أدوات مكتب وصوانى وقاعدة للأكواب كلها منتجات داخل فيها الخشب المطعم بالبردى.
وتكمل صفاء أحمد عبدالحميد، منسقة بالجمعية، "إننى بعد تلقى الدورات التدريبية، أصبحت مشرفة على 60 سيدة من اللاتى تلقين دورات تدريبية فى صناعة المنتجات، وبدأنا فى صناعة المنتجات وأعمال الدهانات، تهميدا لتسويق تلك المنتجات فى معارض الصندوق الاجتماعى.
محرر اليوم السابع مع الأهالى
أحد العمال فى الورش
محمد إسماعيل دويك أحد أصحاب المصانع
صورة
سعيد طرخان مدير جمعية تنمية المجتمع
صفاء مدربة السيدات على المنتجات المحلية
صوانى للتقديم من البردى
أحد الصناع خلال دهان الطاولة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة