«من تقود العالم هى الولايات المتحدة الأمريكية، لدينا فهم واضح لذلك، والصين ليس لديها أى أفكار أو تمتلك القدرات لتحدى الدور القيادى لها»!
تصريح عندما تقرأه للمرة الأولى ربما تظنه آتيًا على لسان أحد أفراد إدارة أوباما، أحد الصقور الأمريكيين المحافظين أو حتى سيناتور ديموقراطى متحمس فى تكساس أو كاليفورنيا، لكن المثير للاهتمام أنه أتى على لسان «وانغ يانغ»، نائب رئيس مجلس الدولة «مجلس الوزراء» وأحد أرفع المسؤولين السياسيين الصينيين، بهذه الكلمات بدأ الباحث السياسى هيثم قطب، بحثه الشيق، والذى حمل معانى كثيرة عن أسباب التفوق الأمريكى فى العالم، ولهذا افتتح الباحث بحثه الخطير بالعبارة التى قالها وانغ فى خطابه أمام المنتدى الاقتصادى الأمريكى الصينى المشترك فى شيكاغو نهاية العام الماضى، تلقف السياسيون والمحللون الأمريكيون ما قال بالكثير من الحذر، فبعد عامين من النوايا الصينية الواضحة لكسر الهيمنة الأمريكية فى آسيا تمهيدًا لأخذ عباءة السوبر مان الأمريكى الذى يحكم العالم وارتدائها، بدلًا منه والتحركات التى صدقت على هذه النوايا، لم يبد ما قاله السيد وانغ يعبر عن التوجه الحقيقى لدولته، لكن أغلب هؤلاء المحللين يعلمون فعلًا أن ما قاله يحمل الكثير من الصحة فيما يخص شق قدرات الصين، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى على العرش منطقيًا لمدة ليست بالقصيرة.
هذا التقرير أو البحث يشرح لك باختصار بعض مرتكزات القوة الأمريكية الحقيقية بعيدًا عن القوة العسكرية، ويضعك على أول طريق إجابة سؤال «لماذا تستمر الولايات المتحدة على قمة العالم؟».
فى منتصف العام الماضى خرجت أغلب وسائل الإعلام العالمية بعناوين ضخمة تصف التطور الذى حدث لأول مرة منذ أكثر من قرن، عندما تجاوز الاقتصاد الصينى الاقتصاد الأمريكى ليصبح الأول أكبر اقتصاد فى العالم بموجب «قوة التعادل الشرائية Purchasing Power Parity» المعروفة بالاختصار الشهير «PPP»، تسلقت الصين للمركز الأول باقتصاد يكافئ «17,632» تريليون دولار مقابل «17,416» تريليون للولايات المتحدة الأمريكية بتفوق يساوى %1.2.
لفهم أكثر، فإن قوة التعادل الشرائية تعنى قياس ما يمكن شراؤه فى بلدين بينهما المقارنة بعملة موحدة، بافتراض أن متوسط دخل الفرد الصينى ألف دولار سنويًا ومتوسط دخل الأمريكى ألفين، إذًا يبلغ متوسط الدخل للأمريكى ضعف الصينى، لكن باستخدام قوة التعادل الشرائية نقيس ما تستطيع الـ«1000» دولار أن تشتريه فى كل دولة، فإن افترضنا أن الألف تستطيع شراء IPhone واحد فى الولايات المتحدة بينما تشترى اثنين فى الصين إذًا يصبح متوسط الدخل الأمريكى مساويًا للصينى وليس ضعفه.
لكن هذا ليس مؤشرًا صحيحًا بالكلية!
لو أردنا قياس حجم الاقتصاد تبعًا لحجم الناتج القومى فإن الناتج القومى الأمريكى «17.416» تريليون دولار يساوى تقريبًا ضعف الناتج المحلى الصينى «9.469» تريليون، هذا التفوق يتوقع صندوق النقد الدولى فى تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمى العام الماضى، أن يستمر لنهاية هذا العقد على الأقل، مع تصور ببلوغ الناتج المحلى الصينى فى عام 2019 مبلغ «15.518» تريليون دولار مقابل «22.174» تريليون للولايات المتحدة.
يأتى هذا الرقم من بلد يمثل عدد سكانها أقل من ربع عدد سكان الصين البالغ عددهم أكثر من 1.3 مليار إنسان، مع متوسط دخل سنوى 4000 دولار للصينى سنويًا مقابل 53000 دولار سنويًا للأمريكى، وحتى مع تعديل القوة الشرائية ومراعاة التضخم الاقتصادى يظل المتوسط السنوى للأمريكى أعلى من نظيره الصينى بفارق كبير.
الاقتصاد الصينى أيضًا يعانى من الدين، دين بلغ %251 من الناتج المحلى الصينى «رقم يقارب الـ26 تريليون دولار»، بينما إن أردنا أن نلقى نظرة أكثر دقة على قوة الولايات المتحدة اقتصاديًا فعلينا تقدير حجم الثروة المحلية أو الوطنية لكل دولة، الولايات المتحدة تتربع على العرش بثروة مقدارها 72 تريليون دولار مقابل 22 تريليون للصين، خمسون تريليون دولار لا تبدو فرقًا سهلًا أو بسيطًا!
أهم شىء والفارق الأساسى بين الولايات المتحدة وأى دولة أخرى اقتصاديًا أن اقتصادها قائم على ريادة الأعمال والابتكارية وليس اقتصادًا مستنسخًا بعكس الصين، والابتكارية فى أغلب المجالات الاقتصادية تقريبًا مقابل ابتكارية فى مجالات أقل عددًا بالنسبة للاتحاد الأوروبى واليابان على وجه التحديد، فضلًا عن أنها على قمة العالم فى الأبحاث والتطوير «Research & Development» مما يكسبها هذه الهيمنة التجارية المسبقة على الستة مجالات الاقتصادية الرئيسية «التكنولوجيا/ السلاح/ الدواء/ الغذاء/ النقل/ الطاقة».
شىء آخر مهم وهو قوة الولايات المتحدة الاقتصادية الناعمة المتمثلة فى علاماتها التجارية الرائدة التى تغطى كل شىء تقريبًا فى العالم، أبل، مايكروسوفت، فيس بوك، جنرال إلكتريك، كوكاكولا، ماكدونالدز إنتل، جولدمان ساكس، تويتر، جوجل، نيتفليكس، فورد، جنرال موتورز، بوينج، لوكهيد مارتن ومئات العلامات الأخرى تشترك كلها فى كونها بعشرات المليارات من الدولارات وغدا نواصل أسباب التفوق الأمريكى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة