«مين اللى قال كنتِ بعيدة عنى، وأنت اللى ساكنة فى سواد الننى.. وصباح الخير يا سينا رسيتى فى مراسينا، تعالى فى حضننا الدافى ضمينا وخدينا يا سينا».
لا تخلد سيناء للهدوء إلا فى حضن مصر الدافئ، وإلا تحولت أرضها إلى صاعقة، وسماءها إلى محرقة وبحرها إلى بركان، وعندما رفع الرئيس حسنى مبارك علم مصر، عاليا خفاقا فى السماء فى 25 إبريل 1982، جددت العهد والقسم بألا تفارق سيناء حضنها مرة أخرى، وأن يظل علمها عاليا فى سمائها، عازفا لحن الخلود والبقاء، وحاكما بالموت والفناء، على كل من يحاول المساس بشبر من أرضها الغالية.
سيناء مقبرة الغزاة والإرهاب
سيناء لن تخلد للهدوء والراحة وستبقى أرضها مقبرة، تدفن عصابات الإرهاب والإجرام التى تصورت أن أرض الفيروز يمكن أن تكون وطنا للإرهاب، ولكن فاتهم أن أبناء وأحفاد أبطال حرب أكتوبر وشهداءها الأبرار، هم أنفسهم الذين يذودون عنها الآن، وسيكون لنا عيدا آخر نحتفل فيه بتحرير سيناء من الأرهاب، وتطهيرها من أعداء الخير والحياة.
لم يرتفع علم مصر فوق سيناء دون ثمن، وإنما بتضحيات غالية وشهداء من زهرات شباب الوطن، وتصلح قصة كل واحد منهم فيلما سينمائيا رائعا، يؤصل قيم التضحية والفداء فى نفوس أجيال جديدة، لا تعرف أن الطريق إلى عيد تحرير سيناء، مر عبر رحلة طويلة من المعارك الضارية، وأن السلام الذى ننعم به هو ثمرة للبطولات.
جيش لا يفرط ولا يساوم
لا يمكن أن نتحدث عن تحرير سيناء، دون أن نتذكر إرادة شعب قرر الصمود والتصدى، وما أحوجنا لذلك الآن لنستنهض روح النصر، ونسترجع أروع أيام الوطن، فمصر وشعبها وجيشها عاهدوا الله ألا يذوقوا طعم الراحة، إلا بعد تحريرها من براثن الاحتلال، وتبدلت الأحزان إلى أفراح، والدموع إلى زغاريد و«سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم فى عيد»، والأرض عند المصريين عرض ومسألة حياة أو موت، وعند الجيش قضية مصير ووجود، ويضحى من أجلها بكل غال ونفيس، لا يفرط فى حبة رمال ولا يساوم على الاستقلال والكرامة الوطنية، وهذا الجيش هو الذى نهض من الهزيمة بعد نكسة يونيو، وأعاد بناء قوته فى زمن قياسى، وقبل مرور أيام من الانكسار، لاحت فى الأفق بشائر الانتصار، حتى تحقق فى العبور العظيم.
مولد النصر من أحشاء الهزيمة
كانت الخطوات الأولى على طريق النصر واسترداد سيناء، بعد أيام معدودة من هزيمة 1967، وظن المعتدى أنه لا يقهر، وأن المصريين لن تقوم لهم قائمة، وقبل زلزال أكتوبر بأكثر من ست سنوات، شهدت جبهة القتال معارك شرسة كانت نتائجها بمثابة صدمة مدوية لإسرائيل، حيث بدأت المواجهة على جبهة القتال بعد الهزيمة بأقل من شهر، واستمرت حتى السادس من أكتوبر، وانطلقت القوات المصرية معلنة بدء حرب العبور، واقتحام خط بارليف، واسترداد السيادة الكاملة على قناة السويس، وعادت الملاحة فى ذكرى الهزيمة لتمحو آثارها، وتغيرت الاستراتيجيات العسكرية فى العالم، وانقلبت نظم التسليح وخطط الحروب.
أعان الله الجيش والرئيس
25 إبريل يوم فرح واستعادة لذكريات البطولة والنصر، يوم يتكاتف فيه المصريون لإزالة آثار السنوات الصعبة الأخيرة التى مرت بها البلاد، وأن يجددوا الثقة فى الرئيس والقوات المسلحة، ويقولوا لهم «أعانكم الله»، فالمؤامرات مازالت مستمرة، وأعداء الداخل لا يقلون خطورة عن أعداء الخارج.
السلام هو ثمرة النصر، وكان ضروريا أن تحصل على السلام المستحق الذى يساوى تضحياتها ودماء وأرواح أبنائها، ولم يقبل الرئيس السادات أن تستمر حالة اللا سلم واللا حرب مرة أخرى، وصمم على أن يسترد أرضه ليتفرغ لبناء بلده، وواجه مقاومة ضارية من الأشقاء قبل الأعداء، وكان بعضهم يتصور أن مصر يمكن أن ترهن قضيتها من أجل الشعارات الكاذبة التى رفعتها بعض الدول التى لم تقدم للقضية الفلسطينية شهيدا واحدا ولم تدفع دولارا واحدا.
وتحولت الأرض إلى سجادة نار
كان البعض يراهن على أنه باستطاعة إسرائيل أن تفعل بسيناء مثلما تفعل فى الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.. مماطلات لا تنتهى ومحاولات مستمرة لتوسيع مساحة المستوطنات، والتهام ما يمكن التهامه من أراضٍ، ولكنها لم تهنأ بالراحة لحظة واحدة، وتحولت الأرض تحتها إلى سجادة من نار، وسيناء فوهة البركان الذى يقذفها بالغضب، وإسرائيل لم تتحمل الثمن الفادح، لأنها لا تقدر أن تعيش فى حالة حرب لسنوات طويلة، ولا تستطيع أن ترهن مواردها وشعبها من أجل الحرب المؤجلة والسلام الذى لا يجىء.. ولم يكن فى استطاعة الدول الكبرى أن توقف ساعة التاريخ على مؤشر الصراع العربى - الإسرائيلى المعطل، وكان مستحيلا أن يتحقق السلام ما لم تقع الحرب، وتكتوى إسرائيل بنيران الهزيمة، لتعرف أن بقاءها مرهون بالعيش فى سلام وليس بقوة السلاح.
مصر مفتاح الحرب والسلام
أدركت إسرائيل بعد سنوات طويلة على الحرب، أن مصر هى رمانة الميزان، وأنها الدرع الواقى الذى يصون الأمن والاستقرار فى المنطقة، وأنها الدولة الوحيدة القادرة على مساعدة إسرائيل والفلسطينيين فى التفاوض والحوار، بما تمتلكه من علاقات طيبة بمختلف الأطراف.. واكتسبت الثقة، لأنها تقف على مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية، رغم جرائم حماس السافرة بعد 25 يناير، وتأكد الفلسطينيون أن مصر هى الدولة الوحيدة التى تستطيع أن تساعدهم، وتعمل لصالحهم، دون أغراض أو أهداف شخصية.. والثقة التى اكتسبتها مصر من إسرائيل والفلسطينيين على حد سواء، هى مفتاح السلام والاستقرار فى المنطقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة