تجبرنا الأحداث اليومية على تناول بعض الأمور من زوايا أعتبرها «محرمة»، لكننا للأسف نجد أنفسنا أمام اختيارين لا ثالث لهما، الأول أن نتغاضى عن النظر من تلك الزوايا، وحينما نغفل أسبابًا وجيهة للأزمة، والثانى أن نغرق فى تحليلها فنرسخ بذلك هذا «الحرام» ونصبح من الذين يمنحونه قبلة الشرعية.
مثال على هذا ما يدور الآن من نقاشات حول أسباب التطرف فى محافظة «قنا» الغالية، فبعض المحللين ينظرون إلى الأمر من وجهة نظر قبلية بحتة، ويحللون الأوضاع الاجتماعية فى ظل التركيبة السكانية المختلفة لسكان المحافظة، وإن شئت الدقة فقل التركيبة «العرقية» فهل هذا أمر صحى؟ وهل هكذا تبنى الأوطان؟
هنا لابد أن نؤكد أن من حق كل إنسان أن يفتخر بانتسابه إلى أى كيان، وأن يسعى من أجل ارتقاء هذا الكيان الذى ينتمى إليه، لكنى فى الحقيقة أيضًا لا أرى وجاهة فى أن يتعامل البعض مع مواطنى جمهورية مصر العربية باعتبارهم مزدوجى الانتماء، فهذا انتماء للعرق وهذا انتماء للأرض، فى حين أن الانتماء واحد لا يتجزأ، هو انتماء للوطن فحسب، والدولة التى لا تعى هذا هى دولة إلى زوال، والنظام الذى يتساهل مع ازدواج الولاء هو نظام يحكم على نفسه بالانهيار، والشعب الذى يستعذب هذا هو شعب يحكم على نفسه بالتشرذم والضياع.
مصر وطن، تاريخ، أرض سماء، ثوابت وطنية، أخوة فى الحلم والهم والتجربة والكفاح، مصر هى مصر، كل لا يتجزأ، ليس فيها مكان لمن يرسخ عقيدة التفرقة أو التمييز، ولابد أن تضع الدولة آلية صارمة لكل من يثبت تورطه فى التفريق بين المواطنين على أى أساس، لا الجنس ولا النوع ولا الدين ولا العرق، نحن مصر، ومصر نحن، لا يضرنا انتسابنا إلى إقليم أو ديانة أو عرق، لكن يدمرنا اعتبار هذا انتسابًا بديلًا عن الوطن أو مقدمًا عنه، ولذلك فإنى أطالب الحكومة بسرعة إصدار قانون من أجل مكافحة التمييز بكل أنواعه، وتحريم التناول القبلى للأحداث السياسية أو الاجتماعية فى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، بل أنى أطالب بسجن كل من يؤجج هذه النزاعات أو يستغلها، والوطن من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة