«نعيم» ورواية «شبرا»: عزاء للوطن وللوحدة الوطنية

السبت، 15 أبريل 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أقرأ رواية «شبرا» والدماء تسيل من طنطا حتى الإسكندرية، شعرت أن المسيح يصلب من جديد، مددت يدى أبحث فى الرواية عن حلم كان بيننا، وتسرب كالمياه من بين أصابعنا.
 
«316»، تنقسم إلى «167» مشهدًا، تتحرك فية الشخوص من شبرا المظلات وحتى محطة مصر بين «14» شارع، ثلاثة دور سينما «47» شخصية رئيسة تسكن منزلًا مكونًا من دور أرضى وسطوع وثلاثة طوابق، يتشابكون مع «24» شخصية ثانوية، ينتمون إلى أصول عرقية مصرية ويونانية وأرمينية وإيطالية ولبنانية، يجسدون كل الأديان، يدخلون فى علاقات خاصة كريستينا اليونانية المسيحية ومجدى المسلم، ميشيل المسيحى الأرثوذكسى وأناهيد المسيحية الأرمينية، وسعيد المسيحى ونبيلة المسلمة، وعباس الخربوطلى المسلم وايرين اليونانية، وصالح المسلم وهيلينا المسيحية اليونانية، دارت الرواية فى شوارع شبرا.
 
البيت هو المرتكز عند نعيم ومنه ندخل ونخرج ونحب ونتزوج وننجب ونموت، وهلم نصعد سويًا إلى البيت من الأرضى وحتى السطوح:
دور أرضى وسطوع وثلاثة طوابق: الحاجة فريدة وأبناؤها: رشدى وصالح وسالم وأمانى ونادية، وخادمتها انصاف، المهندس أميل زوجته بطة وأختها الين.. وابنهما الوحيد ميشيل، الست عائشة وزوجها فهمى أفندى وابنهما مجدى وابنتيهما نبيلة ونور، الحاج سيد البواب وزوجته فاطمة وابنتيهما زينب ونجاة وحفيدهما الوليد صالح ابن زينب، هيلينا اليونانية مع ابنها اندريا جوانيدس، وزوجته ماريا والأحفاد: انجيلاوالحفيد كوستا.وكريستينا حفيدتها من ابنتها ايرين، ستاسيا أخت اندرية والمتزوجة من نيكولاس وأبنائهما: جورج وميكس ويانيس، انوش الأرمينية وأخيها المسيو هايج وأبناؤه: زارية وأناهيد، عايدة رزق الله: مسيحية، وابنها الوحيد سعيد وابنتها آمال، مارى خورى مسيحية مارونية، وأختها سيلفيا وابن مارى ريمون «رور».
 
هؤلاء هم شبرا الوطن والحزن والحب والغربة، إلى جانبهم شخصيات ثانوية، مثل: عباس الخربوطلى صاحب محل الفراشة ورفيق ايرين بنت هلينا، مدام راشيل «اشكينازى» اليهودية من سكان شارع البعثة وصاحبة شقة أبو قير أرملة مسيو حليم اشكينازى وأبناؤهم جابى وسامى وسونيا ورحلت دون انذار، ايفيت التى تسكن بشارع جزيرة بدران وانطوانيت التى تعيش مع أمها المسنة بشارع السالمى «شلة الكونكان فى شقة مارى خورى».
 
الجسد كان «الكود» الذى من خلاله نعبر إلى الرواية، ونتوقف أحاديث الجسد:
اميل: «خرج من الحمام بالفانلة واللباس»، زوجته بطة اسم على مسمى، امرأة ممتلئة تتهادى فى مشيتها كالبطة، وأردافها الضخمة تعلو وتهبط بانتظام»، كذلك علاقة صالح بهيلينا: «احتضنها بقوة طقطقت لها فقراتها فرنت ضحكتها معلنة عن متعة ممزوجة ببعض الألم، أخمدها بقبلة متوحشة تداعت لها مدام هيلينا متراخية فى خدر جليل»، الأجساد والشراب تضافر روحى ومفتاح للحرية.
 
إجهاضان وموتى وولادة وتستمر الحياة، كان الإجهاض الأول لكريستينا من مجدى، والإجهاض الثانى ستانسيا ابنة هيلينا، ويرصد أيضًا الكاتب وفاة مستر هايج، ويربط بينها وبين ميلاد للطفل صالح ابن زينب ابنة البواب ويرى بذلك نعيم أن الحياة مستمرة، وكأننا أمام إحدى روائع زولا عن انتصار الحياة.
 
وفى تعدد لألوان الحبكة وكأنها حجر كريم كلما سقط عليه ضوء عكس ألوانًا مختلفة، يمتزج الرحيل مع الغربة والموت، مدام أشكيناز إلى إسرائيل، زارية إلى أمريكا، مجدى لندن، وآخرون إلى بيروت وباريس، والغربة الوحيدة الإيجابية كانت غربة سعيد ونبيلة، وكأن الأنا الساردة تقص امتزاج الغربة عن الأسرة بعد إعلان سعيد إشهار إسلامه للزواج من نبيلة، بالغربة الجغرافية الإيجابية إلى ليبيا هنا الأنا الساردة جسدت كل آلام وقسوة ديستويفسكى فى أننا لم نخلق قساة بل عالمنا كان أكثر قسوة، مؤكدًا نعيم أن غربتنا ليست عن الوطن ولكن عن النفس والأهل، الحقيقة قصة سعيد ونبيلة رواية أخرى داخل الرواية ومختلفة عنها، عالم آخر لايوجد فيه بين الحبيبين جنس ولا تلامس ولا قبلات ولا خمر، حب عذرى فى عالم محيط بهما يعج بالجنس والخمر والإجهاض والموت الجسدى أو المعنوى، نعم الحب الوحيد الذى انتصر هو حب سعيدالمسيحى ونبيلة المسلمة، إلا أن البيت والحى والوطن كان يرعى ولادة الزواج الذى يتم بين مختلف الديانة بما يشبه الولادة القيصرية التى تتم بدون بنج وتوجع الجميع إلا أنهم يرحبون بفرح بالولادة الجديدة، ما أحوجنا للتوقف أمام تلك الرواية الداخلية الموازية للسرد «رواية حب سعيد ونبيلة» خاصة كرد فعل لما يحدث هذه الأيام، من دماء بدلًا من الحب.
 
لاتفوتنا الموسيقى الداخلية للرواية، وكيف وظف نعيم صبرى الشعر والموسيقى للانتقال من مشهد إلى آخر، فنجد، طاغور وقصيدة جميلة عن التدين الشكلى:
«أولئك الذين يعانقون الوهم باسم الدين
يقتلون ويقتلون
حتى الملحد يحصل على بركة الله
فلا تفخر بدينك»
 
نحن أمام أنا ساردة كالحجر الكريم متعدد الألوان والإشعاع، نعيم صبرى «الشاعر، الموسيقى، الروائى، الفنان التشكيلى.. إلخ» نحن أمام رواية تقترب من عالم زولا فى تعدد الأجيال، وكزانتزاكى فى أناشيد الجسد والخمر والحرية، وديستويفسكى فى القسوة التى داخلنا، وتورجينف فى طهر رواية سعيد ونبيلة «رمزًا للمسيحيين والمسلمين».
 
انتهت الرواية بالشعر، وفى الفرح والأحزان
فى شارع شبرا.. كانت أيام
ومضت أيام
تتوالى فى طيات الأعوام
وأكيد سوف تعود الأيام
 
كأنه يبكى نفسه والحى والوطن، بل يبكينى حينما انهمرت دموعى، بحثًا فى أشلاء ضحايا «الأحد الدامى» بين السطور.
شكرًا نعيم صبرى









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة