شيخ الأزهر: مصطلح المواطنة أصيل فى الإسلام شعت أنواره الأولى بالمدينة المنورة

الأربعاء، 01 مارس 2017 09:39 م
شيخ الأزهر: مصطلح المواطنة أصيل فى الإسلام شعت أنواره الأولى بالمدينة المنورة الدكتور أحمد الطيب شيخ الازهر
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ينشر "اليوم السابع" نص إعلان الأزهر فى ختام مؤتمر "الحريَّة والمواطنة.. التنوُّع والتكامل" حضَرَه أكثر من مائتى شخصيَّةٍ من ستِّين دولةٍ.

 

إعلانُ الأزهرِ

للمُواطَنةِ والعَيْشِ المُشتَرَكِ.. استِجابةً للاحتياجاتِ المُتجدِّدةِ التى تَتطلَّعُ لتحقيقها مجتمعاتُنا العرَبيَّة، ومُواجهةً للتحدِّيات التى يَتعرَّضُ لها الدِّينُ والمجتمعُ والدُّوَلُ الوَطَنيَّة، وإدراكًا للمَخاطِرِ الجَمَّةِ التى تَعتَرِضُ تجرِبةَ التَّعدُّديَّةِ الدِّينيَّةِ الفريدة، فى مجتمعاتنا ومجالنا الحضارى

ومُتابعةً للجهود والوثائق والمُبادَرات، المنفرِدةِ والمشتركةِ، التى قام بها الأزهرُ، والمُؤسَّساتُ والجهاتُ الدِّينيَّةُ والمدَنيةُ الأُخرى فى العالمِ العرَبيِّ، فى السنَواتِ الماضية

وانطِلاقًا من الإرادةِ الإسلاميَّةِ - المسيحيَّةِ المُصمِّمةِ على العَيْشِ المشترَك، ورَفْضِ التَّطرُّفِ، وإدانةِ العُنفِ والجَرائِمِ التى تُرتكبُ باسمِ الدِّين، وهو منها بَراءٌ، كما ورَد فى "بيانِ مؤتمر الأزهر لمكافحة التطرُّفِ والإرهاب"، عام 2014، وما تلاه من مؤتمراتٍ ومُلتَقياتٍ مُشتَركةٍ

انطلاقا من كلِّ ذلك قرَّر الأزهرُ الشريف ومجلسُ حكماء المسلمين إقامةَ مؤتمرٍ موضوعُهُ: "الحريَّة والمواطنة .. التنوُّع والتكامل" حضَرَته أكثر من مائتى شخصيَّةٍ من ستِّين دولةٍ من النُخَب الدِّينيَّة والمدَنيَّة والثقافيَّة والسياسيَّة، الإسلامية والمسيحية فى الوطن العربى والعالم، وشارك فيه كثيرٌ من رجال السياسة والفكر والثقافة والإعلام فى مصر.

وعلى مدى يومين (28/2-1/3/2017) من المحاضرات والمُداولات فى قضايا ومسائل المواطنة، والحريَّة والتنوع، والتجارب والتحدِّيات، والمشاركات والمبادَرات.

تلاقى المجتمعون على إصدار "إعلان الأزهر" متضمنًا البنود التالية:

أولًا

إنَّ مصطلح "المواطنة" هو مصطلحٌ أصيل فى الإسلام، وقد شعَّت أنوارُه الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كُتُبٍ وعُهودٍ لنبى الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُحدِّدُ فيها علاقةَ المسلمين بغير المسلمين، ويُبادر الإعلان إلى تأكيدِ أنَّ المواطنة ليست حلًّا مستوردًا، وإنَّما هو استدعاءٌ لأوَّل ممارسةٍ إسلاميَّةٍ لنظام الحُكمِ طبَّقَه النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفى أوَّلِ مجتمعٍ إسلامى أسَّسَه، هو دولة المدينة.

هذه الممارسةُ لم تتضمَّن أى قدرٍ من التفرقة أو الإقصاء لأى فئة من فئات المجتمع آنذاك، وإنما تضمَّنت سياسات تقومُ على التعدُّديَّة الدِّينيَّة والعِرقيَّة والاجتماعيَّة، وهى تَعدُّديَّةٌ لا يُمكن أن تعمل إلَّا فى إطار المواطنة الكاملة والمساواة، التى تمثَّلت بالنصِّ فى دستور المدينة على أنَّ الفئات الاجتماعيَّةَ المختلفة دِينًا وعِرقًا هم "أمَّةٌ واحدةٌ من دُون الناس"، وأنَّ غير المسلمين لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.

واستنادًا إلى ذلك كله، فإنَّ المجتمعات العربيّة والإسلامية تمتلكُ تراثًا عريقًا فى ممارسة العيش المشترك فى المجتمع الواحد يقومُ على التنوُّع والتعدُّد والاعتراف المتبادَل

ولأنَّ هذه الثوابت والقِيَمَ والأعراف السَّمحة تَعرَّضت - ولا تزال تتعرَّضُ - لتحدياتٍ داخلية وخارجية، فإنَّ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين ومسيحيِّى الشرق يَلتَقُون اليومَ من جديدٍ على الإيمان بالمساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الأوطان والحقوق والواجبات، باعتبارهم "أُمَّة واحدة؛ للمسلمين دِينُهم، وللمسيحيين دِينُهم"، اقتداءً بما نصَّ عليه النبى - صلى الله عليه وسلم – فى دستور المدينة.

وعليه فإنَّ المسؤوليَّات الوطنيَّة مسؤوليَّاتٌ مشتركةٌ بين الجميع.

ثانيًا

إنَّ تبنِّى مفاهيم المواطنة والمساواة والحقوق يَستَلزِمُ بالضرورة إدانةَ التصرُّفات التى تتعارَضُ ومبدأ المواطنة، من مُمارساتٍ لا تُقِرُّها شريعةُ الإسلام، وتنبنى على أساس التمييز بين المسلم وغيرِ المسلم، وتترتَّبُ عليها ممارسات الازدراء والتهميشِ والكَيْلِ بمِكيالَيْن، فضلًا عن المُلاحَقة والتضييق والتهجير والقتل، وما إلى ذلك من سلوكيات يَرفُضها الإسلام، وتَأباها كلُّ الأديان والأعراف.

إن أولَ عواملِ التماسُكِ وتعزيزِ الإرادة المشتركة يَتمثَّلُ فى الدولة الوطنيَّة الدستوريَّة القائمة على مبادئ المواطنة والمساواة وحُكم القانون، وعلى ذلك فإنَّ استبعادَ مفهوم المواطنة بوصفه عقدًا بين المواطنين.. مجتمعاتٍ ودولًا يُؤدِّى إلى فشَلِ الدول، وفشَلِ المؤسَّسات الدِّينيَّة والنخب الثقافية والسياسية، وضرب التنمية والتقدم، وتمكين المتربصين بالدولة والاستقرار من العبث بمصائر الأوطان ومُقدَّراتها.

كما أنَّ تجاهُلَ مفهوم المواطنة ومُقتَضياته يُشجِّع على الحديث عن الأقليّات وحُقوقِها.

ومن هذا المنطلق يتمنَّى الإعلان على المثقفين والمفكِّرين أن يتنبهوا لخطورة المضى فى استخدام مصطلح "الأقليات"، الذى يحمل فى طياته معانى التمييز والانفصال بداعى التأكيد على الحقوق، وقد شهدنا فى السنوات الأخيرة صُعود مصطلح "الأقليَّات" من جديدٍ، والذى كُنَّا نظن أنَّه ولَّى بتَولِّى عهود الاستعمار، إلا أنه عاد استخدامُه أخيرًا للتفرقة بين المسلمين والمسيحيِّين، بل بين المسلمين أنفُسِهم؛ لأنَّه يُؤدِّى إلى تَوزُّع الوَلاءات والتركيزِ على التبعيَّة لمشروعاتٍ خارجيَّة.

ثالثًا

نظرًا لما استشرى فى العقود الأخيرة من ظواهر التطرف والعنف والإرهاب التى يَتمسَّحُ القائمون بها بالدين، وما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات الأخرى فى مجتمعاتنا من ضغوطٍ وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإن المجتمعين من المسيحيين والمسلمين فى مؤتمر الأزهر يُعلِنون أن الأديان كلها بَراءٌ من الإرهاب بشتى صوره، وهم يدينونه أشد الإدانة ويستنكرونه أشد الاستنكار.

ويطالب المجتمعون من يربطون الإسلام وغيره من الأديان بالإرهاب بالتوقف فورًا عن هذا الاتِّهام الذى استقرَّ فى أذهان الكثيرين بسبب هذه الأخطاء والدَّعاوى المقصودة وغير المقصودة.

ويرى المجتمعون أنَّ محاكمة الإسلام بسبب التصرُّفاتِ الإجرامية لبعض المنتسبين إليه يفتحُ الباب على مصراعيه لوصف الأديان كُلِّها بصفة الإرهاب؛ مما يُبرِّرُ لغُلاةِ الحداثيين مقولتهم فى ضرورة التخلُّصِ من الأديان بذَرِيعةِ استقرار المجتمعات.

رابعاً: إنَّ حماية المواطنين فى حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم وسائر حقوق مواطنتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، صارت الواجب الأول للدُّوَلِ الوطنيَّة التى لا يصح إعفاؤها منها؛ صونًا لحياة المواطنين وحقوقهم، ولا ينبغى بأى حالٍ من الأحوال مزاحمة الدولة فى أداء هذا الواجب، أيًّا كان نوع المزاحمة.

والتاريخ القريب والبعيد حافل بالأمثلة الواضحة التى تُؤكد أن ضعف الدولة يُؤدِّى إلى انتهاك حقوق مواطنيها، وأن قوتها هى قوة مُواطِنيها، وإن النُّخَبَ الوطنية والثقافية والمعنيين بالشأن العام فى الأوطان العربية كلها، يتحمَّلون جميعا مسؤولياتٍ كُبرى إلى جانب الدولة فى مكافحة ظواهر العنف المنفلت، سواء أكانت لسببٍ دينى أو عرقى أو ثقافى أو اجتماعي.

إننا اليوم مدعوون جميعًا بحكم الانتماء الواحد والمصير الواحد إلى التضامن والتعاون لحماية وجودنا الإنسانى والاجتماعى والدينى والسياسي، فالمظالم مشتركةٌ، والمصالح مشتركةٌ، وهى تقتضى عملا مشتركا نقر جميعًا بضرورته، ولا بُدَّ من تحوُّل هذا الشعور إلى ترجمةٍ عمليَّة فى شتَّى مجالات الحياة الدينيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والوطنيَّة.

خامسًا: لقد بذلنا جميعًا - مؤسَّساتٍ وأفرادًا - فى السنوات الأخيرة جهودًا للمُراجعة والتصحيح والتأهيل والتأصيل.

ونحن - مسلمين ومسيحيين - محتاجون للمزيد من المراجعات من أجل التجديد والتطوير فى ثقافتنا وممارسات مؤسساتنا.

وقد كان من ضِمن المراجعات توثيقُ التواصل بين المؤسسات الدينية فى العالم العربى وفى العالم الأوسع؛ فقد أقمنا علاقاتٍ مع حاضرة الفاتيكان، وأسقفية كانتربري، ومجلس الكنائس العالمي، وغيرها.

وإنَّنا لنَتَطلَّعُ إلى إقامة المزيد من صلات التعاون بين سائر المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية فى العالم العربي؛ من أجل العمل معًا فى مجالات الإرشاد والتربية الدينية والأخلاقية، والتنشئة على المواطنة، وتطوير علاقات التفاهم مع المؤسسات الدينية العربية والعالمية؛ ترسيخًا للحوار الإسلامى المسيحى وحوار الحضارات.

سادساً:

إنّ طموح الأزهر ومجلس حكماء المسلمين من وراء هذا المؤتمر هو التأسيس لشراكةٍ متجددة أو عقدٍ مستأنَفٍ بين المواطنين العرب كافَّةً، مسلمين ومسيحيين وغيرهم من ذوى الانتماءات الأُخرى، يقوم على التفاهم والاعتراف المتبادَل والمواطنة والحريَّة، وما نذهبُ إليه فى هذا الشأن ليس خِيارًا حَسَنًا فقط؛ بل هو ضرورةُ حياةٍ وتطورٌ لمجتمعاتِنا ودُوَلِنا وإنسانِنا وأجيالِنا.

لقد ضرب رسولُ الله - صلواتُ الله وسلامُهُ عليه - مثلًا للشَّراكة الكاملة والعقدِ القائم الجماعةَ الواحدةَ على السفينةِ الواحدةِ ذاتِ الطابقين؛ فكان الذين فى أسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فوقَهم، فقال بعضُهم: "لو أنَّا خرَقْنا فى نصيبِنا خَرْقًا ولم نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنا"، وقد عَقَّبَ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على ذلك بقولِه: "فإنْ تركوهم وما أرادوا هلَكُوا وهلَكُوا جميعًا، وإن أخَذُوا على أيدِيهم نَجَوْا ونجَوْا جميعًا".

ونحن أهلُ سفينةٍ واحدةٍ، ومجتمعٍ واحدٍ، نُواجه مخاطرَ مشتركة تُهدِّدُنا فى حياتنا ومجتمعاتنا ودولنا وأدياننا كافَّة، ونريد بالإرادة المشتركة، وبالانتماء المشترك، وبالمصير المشترك، أن نُسهِمَ معًا عن طريق العمل الجادِّ فى إنقاذ مجتمعاتنا ودولنا، وتصحيح علاقاتنا بالعالم، حتى نوفر لأبنائنا وبناتنا فُرَصًا فى مستقبلٍ واعدٍ، وحياةٍ أفضل.

إن المجتمعين مسلمين ومسيحيين يُجدِّدون عهود أُخوَّتِهم، ورفضهم أية محاولات من شأنها التفرقة بينهم، وإظهار أن المسيحيين مُستَهدَفُون فى أوطانهم، ويُؤكِّدون أنه مهما فعل – ويفعل – الإرهاب بيننا فى محاولةٍ للإساءة إلى تجربتنا المشتركة، واستهداف مقومات الحياة فى مجتمعاتنا لن ينال من عزيمتنا على مواصلة العيش الواحد وتطويره والتأكيد على المواطنة فكرًا وممارسةً.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة