نصلُ اليومَ إلى الحلقة الأخيرة من رسالة الطبيب المصرى المسيحى الذى يعيش فى كندا، وكلّفنى بإرسالها عبر مقالى الأسبوعى هنا بجريدة «اليوم السابع»، إلى فضيلة الدكتور أحمد الطيب، إمام الأزهر الشريف.
وكما أكدنا فى الحلقات السابقة، أن الهدف هو تأكيد المشتركات السماوية العليا بيننا كمسلمين، وبين أشقائنا المسيحيين من أقباط مصر، عن طريق تصحيح المفاهيم المغلوطة التى تكوّنت فى وعينا عنهم وعن عقيدتهم، والاستشهاد بآيات القرآن الكريم التى تحُضّنا على المحبة والبرّ، ونبذ الطائفية والتباغض، كما أمرنا الإسلام.. ختمنا الأسبوع الماضى النقطة رقم (7)، واليوم يُنهى الباحثُ الطبيب د. هانى شنودة، كاتب الرسالة، بحثَه بمجموعة من التوصيات بمثابة الخلاصة، فإلى ختام الرسالة، واللهُ والسلامُ دائمًا من وراء القصد.
***
وإذن، فإن الغرض من هذا البحث هو إيضاح أن ما يستنكره القرآنُ فى آياته الكريمات، ليس له أية علاقة بالعقيدة المسيحية الأساسية، إنما هى الهرطقات التى ترفضها العقيدةُ المسيحية.. القرآنُ الذى هو المرجعية العليا لكل مسلم، يكفر هراطقة كانوا يسكنون الجزيرة العربية فى القرن السابع الميلادى، ولا يكفر المسيحيين على الإطلاق. وحين يصفُ القرآنُ السيدَ المسيح عليه السلام بأنه «عبدالله»، فهذا ليس غريبًا عن الكتاب المقدس (التوراة والإنجيل)؛ كما نجد فى رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبى، عن المسيح: «لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِى شِبْهِ النَّاسِ».
هل هذا يعنى أن ليس من اختلاف عقَدى بين المسيحية والإسلام؟.. طبعًا لا.
أخى المسلم يؤمن بأن:
وحدانية الله وحدانية مجردة مطلقة بسيطة.
الكتاب المقدس قد تم تحريفه على يد اليهود والمسيحيين.
المسيح مجرد نبىّ، ولم يُصلب.
أخى المسلم يؤمن بما سبق، وعنده أسبابه الوجيهة للإيمان بهذا.
أنا كمسيحىّ أؤمن بأن:
وحدانيةُ الله وحدانيةٌ جامعة من أقانيم ثلاثة، متحدة دون امتزاج ومتميزة دون انفصال.
الكتاب المقدس لا يمكن تحريفه لأن الله قادرٌ على حفظ رسالته.
المسيح هو الله الظاهر فى الجسد، صُلب ومات وقام وصعد (ارتفع إلى إلى السماء).
أنا كمسيحىّ أؤمن بما سبق، وعندى أسباب وجيهة للإيمان بهذا.. إذن فإننا مختلفان، كلٌّ منا يدين بما لا يدين به الآخر، فلماذا لا نترك هذا للديّان العادل ليحكم فيه فى اليوم الأخير؟!
ولكن قبل أن يأتى هذا اليوم الأخير، لماذا لا نعيش معًا فى محبة وسلام، يحترم أحدنا الآخر، ويود أحدنا الآخر، ويُصلى كل منا من أجل الآخر طالبًا هدايته؟، لماذا يتحتم علينا أن يكفر أحدنا الآخر؟!
هذا يصل بى إلى ذروة الأمر: تجديد الخطاب الدينى.
نحن لسنا بصدد تفسير عصرى للقرآن، فلقد بينّا بالأدلة الواضحة أن القرآن لا يكفر المسيحيين، إنما يكفّر هراطقة أسماهم النصارى، ولهذا فنحن نرجو منكم يا فضيلة شيخ الأزهر الشريف إصدار فتوى صريحة قاطعة تفيد بأن المسيحيين ليسوا كفارًا بحسب القرآن، فإنه لا يجب أن نوضع فى نفس الخانة مع عبدة الأوثان الذين أباح الكثيرون من فقهاء الإسلام دماءهم وأموالهم وأعراضهم، متسلحين بترسانة من الآيات القرآنية، منها على سبيل المثال:
«وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ»، الحاقة 50، «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا»، الأحزاب 64، «فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ» آل عمران 32. «والكافرون هم الظالمون»، البقرة 254، «فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ»، البقرة 98، «إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِى غُرُورٍ»، الملك 20، «فلعنة الله على الكافرين»، البقرة 89، «إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا»، النساء 102، «إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا»، النساء 140.
وغيرها من عديد الآيات التى توضّح موقف الإسلام من الكفار، بينما نحن مؤمنون بالإله الواحد الأحد الحق، ولسنا كفارًا يا فضيلة الإمام.. نحن كمسيحيين غير مؤمنين بالعقيدة الإسلامية، كما أن إخوتنا المسلمين غير مؤمنين بالعقيدة المسيحية، وإذن فأنا كمسيحى فى نظر أخى المسلم «غير مؤمن»، وليس «كافرًا»، فنرجو عدم خلط المصطلحات، ووصفى بالكافر، حتى نقفل الباب على البعض الذين، عن سوء فهم أو عن سوء نية، يطلقون علينا لفظة «كفار»، رغبة منهم فى مساواتنا بعبدة الأوثان.
فتوى: «إن المسيحيين ليسوا كفارًا»، هى مفتاح الحل فى قضية العنف والإرهاب الذى يجتاح العالم اليوم، وها أنت ترى ماذا تفعل «داعش» بنا نحن أقباط مصر فى العريش من حرق وقتل.. الحل فى يدكم يا فضيلة الإمام الأكبر.
والرب يوفقكم لما فيه خير بلادنا الحبيبة، ولكم منا خالص الاحترام.
إمضاء: د. هانى شنودة
مصرى مسيحى/ كندا
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة