"اجعل لأهم الأشخاص والأماكن والأشياء بحياتك بدائل، تلجأ لها وقت الافتقاد، حتى لا تهتز نفسياً"..
إن أرادت النفس أن تحيا بصحة نفسية جيدة، فعليها بأن لا تجعل سعادتها من العبيد، لأنها خلقت حرة .. فهؤلاء الأشخاص الذين تكمن سعادتهم وقت وجودهم مع إنسان معين فقط أو تحقيق حلم واحد فقط أو زيارة مطعم واحد فقط ....الخ وما دون ذلك فهم تعساء .. للأسف هم اكثر عرضة للصدمات النفسية لأنهم بعيدون تماماً عن الواقع..
وكما أن للخيال حلاوته فإن للواقع أهميته التى لا غنى عنها .. وذلك لأن الإنسان الذى تتوقف سعادتك عند افتقاده فهو إنسان قابل للافتقاد او للانشغال أو للسفر .. الخ والحلم الذى لم تضع له بدائل هو أيضاً قابل لعدم التحقيق ، أو التأخر فى التحقيق، والمطعم الذى لا تستطيع ان تتناول وجبة الغداء فى مطعم غيره فهو قابل للإزالة او لعدم وجود فرصة لحجز طاولة لك فى يوم ما..
هل ما سبق يعنى عدم الارتباط بالأشياء أى إلغاء العاطفة تماما ؟
بالطبع لا، لأن علم النفس يؤمن بأن العاطفة هى أساس السعادة والارتباط بما يحيطنا هو أساس الشعور بالامان والاستقرار النفسى ولكن ... ولكن ... ولكن علم النفس يعلم جيدا بان كل شيء قابل للتغير، لذا يؤكد لك ضرورة ان تحيا بكل عواطفك عند وجودك مع ما ترتبط به، وتخلق لنفسك بدائل لان عدم وجوده فى وقت ما سواء بشكل مؤقت او مستمر واقع..
وعندما نحيا بالعاطفة بدون إلغاء الواقع فإن ذلك يحمى أنفسنا من الاهتزاز النفسي..
ما سبق كان مقدمة هامة للتعمق أكثر فى النفوس، فلتبحروا معى فى الأعماق التالية:
البشر ثلاث أنواع ( الحسى والسمعى والبصرى ).. الشخص الحسى هو من يستقبل المشاعر ويرسلها باللمس والكلمات المنعمة، وشخصياتهم تمتلك جزءا كبيرا من البراءة والحساسية، وهؤلاء عندما تريد إقناعهم بشيء فعليك باستخدام حاسة اللمس كضمهم الى أحضانك أو تقبيلهم أو أن تربت على أكتافهم ...الخ، ولذلك فهم يشعرون بمدى صدقك او كذبك بمجرد أن تستخدم حاسة اللمس معهم..
أما الشخص السمعى فهو إنسان قليل التعبير بالكلام ، يستمع أكثر مما يتحدث ، يرسل مشاعره ويستقبلها عن طريق عقله . اى انه يفكر جيداً بشكل واقعى قبل الخوض فى اى امر .. ولذا فطريقة إقناع هذا الشخص بفكرة او موضوع هى الإثباتات والأدلة ..
النوع الثالث من الشخصيات هو الشخص البصرى ، الذى يستقبل ويرسل مشاعره بالصورة. ولذا يلفت انتباهه المظهر الخارجي، حجم الصورة ، الوانها .. الخ ..
وبصفة عامة جميعنا يمتلك فى شخصيته جزء من الثلاث انواع السابقة الذكر ، ولكن أحد هذه الأنواع يحتل الجزء الأكبر من اى شخصية..
لماذا المقدمة السابقة ؟ الى أين سيأخذنا نفسياً هذا المقال مع هذه المقدمة ؟
أعلم انك عزيزى القاريء سرعان ما توقعت اننى أريدك ان تفهم شخصيتك من أى نوع، وهذا جزء بسيط من الحقيقة، لأن الجزء الأهم هو ان تتفهم كيفية التعامل مع الآخرين ، حتى لا تهتز نفسياً وتتعرض لصدمات الفراق والمشاحنات وقلة التفاهم وعدم الاستمتاع بوجود الآخر فى حياتك ..
فان كنت انت من النوع السمعى قليل التعبير باللمس والكلام، والآخر من النوع الحسى الذى يستقبل مشاعرك باللمس والكلام، فعليك بان تخرج الجزء الحسى الذى بداخلك اثناء التعامل معه، لكى تحافظ على وجوده فى حياتك. والعكس صحيح ..
اذن فالاختلاف واقع وتجاهله خيال، ولولا الاختلاف لمللنا الحياة. ومن رحمة الخالق انه خلقنا مختلفون ومتشابهون فى نفس الوقت ( الاختلاف) بحيث يكمل كل مننا ما ينقص الاخر( والتشابه) لكى نجد من يشاركنا انتماءانا لعاداتنا وذكرياتنا .. كشعور المصرى عندما يسافر بلد غريبة ويشاهد هناك مصرى مثله ، فيشعر انه يشاركه أفكار وعادات معينه، وهذا ما يطلقون عليه ( الدم بيحن) ..
وبالتالى علينا الإيمان بأن الله عز وجل خلقنا مختلفين فى الشكل والملامح والجنس والسلوك والمعتقدات و... و...و.... إذن لاداعى للرغبة فى أن جميع من حولنا يتعاملون معنا بنفس طريقتنا، لانه حتى التوأم المتماثل يختلفان فى بصمة يديهما وأحاسيسهما..
وبالتالى حتى لا تهتز نفسياً لا تتوقع من الاخر أن طريقة تعبيره عن حبه لك هى نفس طريقتك، او ان طريقة تفكيره ورؤيته للأمور هى نفس طريقتك .. كما ان ليس عدم تعبيره او تصرفه بنفس طريقتك هو إثبات لعدم حبه لك، او عدم توافقه معك ..
وحتى لا تهتز نفسياً لا للأحادية فى علاقاتك بالواقع من حولك ، فلا تصاحب صديق واحد فقط ، او تتعلق بشخص واحد فقط ، او مكان واحد ، او طموح واحد او ... او ... ولكن اجعل بدائل فى حياتك تلجأ لها وقت افتقاد او انشغال الآخرين ..
ولكن هناك أشياء خلقت واحدة، اى ليس لها بدائل ، كالأم والابن والأب والزوج وليس الزوجة .... الخ فما الحل ؟
فى هذه الحالات ليس المقصود بالبديل ان يكون نفس مكانة الأصل ، فلا يمكن لزوجه ان تتزوج رجل وتعشق اخر مثلاً كبديل ولكن، يمكن ان تتزوج رجل ولكن لا تضعه محور يومها كله، ففى وقت وجوده هى سعيده وفى وقت انشغاله هى ليست تعيسة، ولكنها لابد مع أصدقاء ، او فى وظيفه ، او تُمارس هواية ...الخ ..
واليتيم الذى فقد ابيه او أمه فيمكنه ان يكون لديه أب روحى او ام روحية .. والعكس صحيح ..
والإنسان الذى فقد وطنه يستطيع ان يبنى ذكريات فى وطن روحى آخر ..
إن كان ما سبق يصعب على عقلك تقبله لأنه من وجهة نظرك لا يحمى من صدمة الافتقاد بصفه كاملة ، اقول لك انه على الأقل سيحميك من جزء كبير من الإصابة باضطرابات توابع الصدمات .. وان كان لا يحقق لك الحماية تماماً من الهزة النفسية،، فهو على الأقل يقلل من مدة الإصابة بها..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة