الصائل هو المعتدى على غيره بغير حق بقصد سرقة ماله أو انتهاك عِرضه أو سفك دمه أو اغتصاب أرضه، وللمعتدَى عليه عندئذ شرعًا أن يدفع المعتدى بما يراه مناسبًا لدفع شره وعدم تمكينه من النَّيْل من عِرضه أو دمه أو ماله أو أرضه ولو كان بقتل الصائل، يقول الله تعالى: «فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ»، وسُئل رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، عن رجل جاء ليأخذ مال آخر عدوانا، فقال للسائل: لا تعطه إياه. قال السائل: أرأيت إن قاتلنى؟ قال: قاتِله. قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلتُه؟ قال: فهو فى النار. وكلنا يحفظ قول النبى، صلى الله عليه وسلم: «مَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد».
وهذا الحق الذى أعطاه الشارع للمعتدَى عليه فى حال الاعتداء عليه يتحول إلى واجب فى حال الاعتداء على العِرض أو الدم، فإذا ترك المعتدَى عليه الدفاع فتمكن المعتدى من إنفاذ جريمته والنَّيْل من عِرض المعتدَى عليه أو دمه، يكون المعتدَى عليه عندئذ آثمًا متى كان قادرًا على الدفاع ولم يدافع، وقد حددت شريعتنا الغراء كيفية دفع المعتدى، حيث إنه دفع متدرج فى وسائله من الأخف إلى الأشد، أى إن الدفع يتناسب مع الاعتداء فى القوة والوسيلة، فإن كان يكفى لدفع المعتدى النصح والإرشاد، وبيان أن ما يعتزم القيام به من الاعتداء حرام، وأن عليه أن يتقى الله ويعدل عن اعتدائه، فلا يجوز عندئذ للمعتدَى عليه تخويف المعتدى ولا تهديده، وإن كان يندفع بالتهديد فلا يجوز ضربه، وإن كان يندفع بالضرب فلا يجوز بكسر عضو من أعضائه أو جرح جزء من جسده، وإن كان يندفع بالكسر أو الجرح فلا يجوز بالقتل، وإن لم يندفع إلا بقتله جاز ولا إثم على القاتل ولا قصاص ولا دية، فدم المقتول عندئذ هدر، فإن تجاوز المعتدَى عليه فى استخدام وسيلة الدفع وعجَّل بقتل المعتدى الذى كان يكفى لدفعه وسيلة غير قاتلة، فالمعتدَى عليه عندئذ قاتل عند الله وإن برأته قوانين الدنيا بحجة دفاعه عن نفسه.
ودفع الصائل بهذه الحال يشبه حال التعامل مع البغاة الخارجين على أنظمة الحكم، فإن دفعهم يراعى فيه أيضا التدرج فى استخدام وسائل الدفع، غاية الأمر أن البغاة يكونون جماعة ولا يشترط ذلك فى الصائل، فقد يكون فردا أو جماعة محدودة، فضلا عن أن البغاة تكون لديهم شبهة وتأويل كالخوارج الذين خرجوا على سيدنا على، رضى الله عنه، وجماعة المسلمين متهمين إياه بالخروج على كتاب الله حين قبل تحكيم البشر، كما أن البغاة يعلنون خروجهم على الحاكم وينزعون يدهم من طاعته بخلاف الصائل، فهو لص أو سفاك دم أو شهوانى ينهش الأعراض!
هذا باختصار هو حكم الصائل فى شريعة الإسلام، لكن الإرهابيين لهم فهم آخر وحكم آخر، حيث يبررون تسللهم إلى مختلف بلاد المسلمين لارتكاب أفعالهم الإجرامية بذريعة دفع الصائل المتمثل فى نظرهم بقوات الجيش والشرطة، وحجتهم فى ذلك أن هذا المعتدى لم يجد مَن يدفعه ويرد اعتداءه على المصريين! وهذا لعَمرى زعم باطل ومنطق فاسد، فرجالنا البواسل من الجيش والشرطة لا ينطبق عليهم هذا الوصف الذى هو أليق بهؤلاء الإرهابيين وألصق بهم، فقواتنا من الجيش والشرطة لا يعتدون على أحد، وإنما يردون عدوان أمثال هؤلاء الإرهابيين الذين يعيثون فى الأرض فسادا ويبيحون لأنفسهم القتل والتخريب باسم الدين، والدين من أفعالهم المنكرة وأفهامهم السقيمة براء، بل إن لم تقم قوات الجيش والشرطة فى أى بلد بذلك فهى مقصرة وملومة، لأنه حق أصيل لها، ثم مَن خولكم أيها المجرمون بالتحدث باسم الإسلام والمسلمين بادعاء أنكم أعلم أهل الأرض وأحرصهم على تطبيق الشريعة وأكثرهم غيرة على الدين؟! ومَن فوضكم للتحدث باسم المصريين بزعمكم أنكم ما جئتم متسللين عبر الحدود إلا لإنقاذ المصريين ودفع الظلم عنهم من باب «دفع الصائل» الذى قلبتم معناه واتخذتموه مطية لتبرير استهدافكم لرجالنا الأبطال من الجيش والشرطة؟! ومَن أنابكم أيها المجرمون للدفاع عنا وعن مقدساتنا ومقدرات بلادنا؟!
إن هذا الفهم السقيم ليس بمستغرب من هؤلاء الإرهابيين، فما من مصطلح يمكن تحريفه من قبلهم إلا وحرفوه وقلبوا معناه فى أظهر صور التدليس على الناس من أجل التبرير لإرهابهم، ومن ذلك: الخلافة، والجهاد، والحاكمية، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء، والتكفير... إلخ، وهذا لعَمرى قلب للحقائق واجتراء على شرع الله وتضليل للمسلمين وبخاصة الشباب للتعاطف معهم فى ما يرتكبونه من جرائم واستقطابهم إلى صفوفهم لتقوية شوكتهم وتأمين احتياجاتهم اللوجستية فى الأماكن التى يتمركزون فيها، ولا سيما أن هؤلاء الإرهابيين يمتلكون قدرة كبيرة على غسل أدمغة الشباب وغرس باطلهم فى أذهانهم كحقائق شرعية لا تقبل التشكيك، وعندها يتحول الجانى إلى مجنى عليه، والإرهابى إلى مجاهد فى سبيل الله، والانتحارى الذى يفجر نفسه بين الآمنين إلى مستحق لمعانقة الحور العين والتمتع بمجاورة النبيين والصديقين والشهداء!
فياأيها الشباب، لا تنخدعوا للشعارات الجوفاء التى يرفعها هؤلاء المارقون، ولا يغرنكم حثهم لعاطفتكم الدينية من أجل تحقيق أغراضهم الخبيثة، فكيف لهؤلاء الإرهابيين المعتدين المتسللين عبر حدودنا الانضمام إلى فئة مجرمة فقدت هدى الشرائع، وكفرت المجتمعات، وأنكرت حدود الأوطان، وعاثت فى الأرض فسادا، وروعت الآمنين، وأعلنت الحرب على الله ورسوله، أن يكونوا دافعين للصائل وهم مَن صالوا على مجتمعاتنا من داخلها وخارجها؟! حقًّا إنه لمنطق غريب وكذب عجيب لا يستساغ لدى أصحاب العقول السديدة والفطر السوية، فضلا عن أنه مردود وغير مقبول بآيات ربنا المحكمة وسنة رسوله البينة، واجتهادات سلفنا الصالح وتراثهم الذى يشع نورا وسماحة ودعوة للسلام والتعايش بين البشر على اختلاف دينهم وتباعد حدودهم.. حمى الله مصرنا الحبيبة وسائر بلاد المسلمين من شر المفسدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة