عمليا انتهت جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة مشروع القرار المصرى بإيقاف أى قرارات أحادية الجانب تتعلق بالقدس الشريف، بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية استخدام حق الفيتو لإيقاف المشروع المصرى، ولكن سياسيا، بدأت الجولات الدبلوماسية المصرية بشكل معلن لاستعادة الحق العربى فى القدس الشريف ومواجهة أى اغتصاب أمريكى.. بالتأكيد هناك جولات جديدة فى مجلس الأمن وفى اجتماعات الأمم المتحدة.
مصر كانت تحتاج 9 أصوات فقط من بين 15 صوتا لكى يمر المشروع المصرى بوقف القرار الأمريكى بنقل السفارة للقدس، فحصلت مصر على 14 صوتا من الـ15، وهو ما يحمل رسالة قوية بأن العالم الدولى يرفض الموقف الأمريكى ويقف بشكل واضح على الجانب الآخر منه لا فى المنطقة الرمادية كما كان يحدث فى مواقف مختلفة.
دور رئيسى للدولة المصرية فى الاجتماعات، وهو ما يعكس دراسة قوية وإعدادا جيدا من وزارة الخارجية التى تتولى الملف بالأساس، تحضر أوراقها جيدا وتجرى اتصالات وتنسق مع باقى الدول بشكل قوى، ولكن مع هذا الدور يظهر جليا أداء سفيرنا ومندوبنا فى مجلس الأمن السفير عمرو عطا، هادئ الطباع، يتحدث بقوة، يجيد اختيار العبارات، ويوجه الرسائل المختلفة فى الوقت المناسب، وفى الجلسة الأخيرة كانت له كلمة أعتقد أنه يجب أن نضمها ضمن أرشيف الكلمات الأكثر أهمية فى الدبلوماسية المصرية، قال فيها وهو يشرح أسباب المشروع المصرى بوقف قرار ترامب: «القدس إحدى قضايا الوضع النهائى لتسوية القضية الفلسطينية سلميا عبر التفاوض بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وأى محاولة لتغيير الخصائص على الأرض، تعد من الإجراءات الأحادية غير القانونية التى لا يترتب عليها آثار قانونية لتعارضها مع القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية بما فى ذلك قرار الجمعية العامة رقم 181 لسنة 1947، الذى أنشا دولتين فلسطين وإسرائيل، واعتبر مدينة القدس هى كيان منفصل يخضع لنظام دولى خاص، وكذلك قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1976 وقرار رقم 252 لسنة 1968 وقرار رقم 338 لسنة 1973، التى لم تعترف بأى إجراءات تتعلق بضم إسرائيل لأراضى الغير بالقوة العسكرية لتعارضها مع نظام الأمم المتحدة الذى لا يجيز ضم الأراضى بالقوة المسلحة».
تأكيد مصر فى كلمتها على ذكر أرقام قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة المتعلقة بالوضع التاريخى للقدس الشريف، كان الهدف منه هو وضع الولايات المتحدة فى منطقة «الإحراج الدولى» أمام باقى الدول اعضاء مجلس الأمن، وهو ما تحقق، والمشهد الأولى لنسبية تحقق «الإحراج الدولى للولايات المتحدة» تمثل فى كلمة المندوبة الأمريكية، ومحاولة تبريرها لاستخدام حق الفيتو عندما قالت: «لم نلجأ لهذا الحق منذ 6 سنوات ولجأنا إليه الآن للحفاظ على السيادة الأمريكية ولا نشعر بالخجل فى ذلك».
أى خجل؟.. المتابع لجلسة مجلس الأمن، بالتأكيد شاهد ملامح وجه المندوبة الأمريكية وسط حالات الرفض الدولية الجماعية لقرار ترامب، وشاهد أيضا هيئتها وهى ترفع يدها مستخدمة حق الفيتو.. بكل خجل.
كمتابع للمشهد الدولى، أعتقد أن المواجهات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية بشأن القدس، قد تنسحب على عدد من الملفات الأخرى بين الدولتين وربما العلاقات الثنائية نفسها، لأن موقف ترامب يضرب أى محاولات جاهدة كانت تتحرك مصر فى إطارها من أجل حل جاد للصراع العربى الإسرائيلى.. فى النهاية، خسرنا جلسة مجلس الأمن ولم يمر مشروع القرار المصرى، لكننا كسبنا تأييدا دوليا من 14 دولة من أعضاء مجلس الأمن، وكسبنا دبلوماسية قوية، تتحدث باسم الدولة المصرية، تعبر عن قضاياها الوطنية بكل إيمان وبالتزام كامل بالمعايير الدولية.
تحية لرجال الظل ولجنودنا فى الخارجية ولمندوبنا فى مجلس الأمن السفير عمرو عطا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة