ينتمى محمد أحمد فرغلى باشا ملك القطن، إلى أسرةٍ ثرية من أصول صعيدية، من مدينة أبو تيج، وانتقلت إلى الإسكندرية واستقرت بها، بل إن الشارع الذى وُلِدَ فيه حمل اسم أسرته شارع فرغلى.
توارثت الأسرة العمل التجارى، فالجد والابن من بعده يعدان من كبار تجار الحبوب، وكانا يتاجران فى القطن على الجانب المحلى وحده، ولا يخوضان تجربة التصدير إلى الخارج .
سافر فرغلى بحسب المعلومات الواردة عنه، إلى إنجلترا لاستكمال دراسته فى مدرسة لندن للدراسات الاقتصادية، لكن مرض الأب اضطره إلى العودة إلى الإسكندرية، لتحمل أعباء العمل التجارى للعائلة .
كان رأسمال الأب فى تلك الفترة يقترب من 30 ألف جنيه، وهو رقمٌ كبير آنذاك، لكن طموح الابن تجاوز ذلك بكثير، بعد فترة حاول العمل مستقلاً لمدة عامين، إذ أنشأ مزرعة لتربية الخنازير فوق أرض مستصلحة تبلغ مساحتها 900 فدان كانت تملكها العائلة فى منطقة أبو الشقوق بالقرب من المنصورة، ثم استدعاه أبوه، قرر تصفية مشروعه الذى حقق من ورائه ربحًا صافيًا يقترب من ثلاثة آلاف جنيه، وهو رقمٌ ضخم بمقاييس ذلك الزمن، وتحت إلحاح الابن محمد، سرعان ما بارك الأب تحول جزء من نشاط الأسرة التجارى إلى مجال تصدير الأقطان، الذى كان حكرًا على الأجانب .
أزمة القطن العالمية:
ضرب الكساد الكبير الولايات المتحدة والعديد من دول العالم فى أكتوبر عام 1929 نتيجة للانهيار المالى الضخم فى بورصة الأوراق المالية فى نيويورك، والمعروف باسم (الثلاثاء الأسود)، وانتهى فى أوقاتٍ متفاوتة بحسب كل بلدٍ، ما بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضى.
وقد اعتبر خبراء الاقتصاد تلك الأزمة أكبر كسادٍ اقتصادى يضرب العالم فى القرن العشرين، ونظروا إليه فى القرن الحادى والعشرين كنموذج على المدى الذى يمكن أن ينهار به الاقتصاد العالمى.
كان لهذه الكارثة الاقتصادية آثارها القوية على الاقتصاد المصرى، باعتبارها إحدى المستعمرات التى تدور فى فلك إنجلترا إحدى دول المركز، وأيضًا لارتباط العملة المصرية بالجنيه الإسترلينى.
وقد ظهرت أولى آثار الأزمة الاقتصادية فى مصر على شكل انخفاضٍ رهيب فى أسعار القطن وصعوبة بالغة فى تسويقه، وليس مثل القطن من محصولٍ زراعى لعب دورًا خطيرًا فى التأثير على تاريخ مصر الاقتصادى.
ويتعين أن نشير إلى أن القطن شغل 22.4 % من المساحة المنزرعة عام 1913، مقابل 11.5% عام 1879، وزاد محصول القطن من مليون و818 ألف قنطار إلى 6 ملايين و250 ألف قنطار بين عامى 1884 و1908، كما ارتفعت قيمة الصادرات القطنية من 6 ملايين و424 ألف جنيه إلى 17 مليونًا و91 ألف جنيه أثناء الفترة نفسها، وهو ما يمثل 67% من مجموع الصادرات عام 1884، و83% عام 1906.
وتكبدت الصفقة الأولى فى مجال تصدير القطن خسارة فادحة، تزيد على أربعة آلاف جنيه، غير أن محمد تعلم من التجربة جيدًا.
بدأت رحلة (ملك القطن) بحسب دراسة الاقتصاد المصرى فى القرنين الـ10 والـ20، مع التصدير بحصةٍ لا تتجاوز 0,25% من إجمالى المحصول المصرى من القطن، وبعد ما يزيد قليلاً عن عشر سنوات، كان محمد أحمد فرغلى يصدر 15% من جملة المحصول، وبهذه النسبة كان يحتل المركز الأول فى قائمة المصدرين.
فى عام 1935 انتُخِبَ محمد أحمد فرغلى وكيلاً لبورصة مينا البصل، وكان أول مصرى ينهى سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية.
غير أن محمد أحمد فرغلي باشا عاش كثيرًا من الأزمات والمحن، ففي عام 1934 أدى ارتفاع أسعار القطن في بورصة نيويورك إلى توريده كميات كبيرة كان متعاقدًا عليها بأسعار كلفته خسارة قدرها 600 ألف جنيه، غير أن حصوله على قرض من البنك الإيطالي بقيمة 100 ألف جنيه دون ضمان، أنقذه من ضائقةٍ مالية شديدة .
وعاد الخط البياني إلى الصعود السريع حتى جاءت الأزمة الثانية عام 1949، وخلال السنوات الفاصلة بين الأزمتين، كان فرغلى قد أصبح من كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات وعضوًا في مجالس إدارات عدد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية، وتوسعت شركة فرغلي للأقطان في أعمالها حتى وصلت أرباحها السنوية إلى ما يزيد على مليون جنيه .
كتيب فرغلى الصادر عن هيئة الاستثمار
وفي الأزمة الثانية، عجز صغار ومتوسطو التجار عن توريد الكميات المطلوبة في التوقيتات المحددة لمجموعة شرائية عملاقة تم الاتفاق بشأنها بين محمد أحمد فرغلى وعلى يحيى وآخرين، للإفلات من الحصار الذي يهددهم ، لجأ هؤلاء التجار إلى تصعيد الأمر بالشكوى إلى الحكومة ، وكانت المفاجأة في فتوى وزارة المالية بإمكان تسليم التجار لأقطان لا تطابق المواصفات .
ويروي ملك القطن في مذكراته ( محمد أحمد فرغلي - عشت حياتي بين هؤلاء، الإسكندرية 1984 )
فرغلى باشا
ففي أعقاب حريق القاهرة الذي شب في 26 يناير 1952، سقطت الحكومة الوفدية، وتشكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذي سبق رفضه، وبدلاً من خسارة المليونين، حقق فرغلي ربحاً جديداً، ثم وقعت ثورة يوليو 1952 التي أعادت رسم ملامح مصر سياسياً واقتصادياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة