لو فى إحصائية لقياس حال البيوت المصرية خلال الأيام الماضية لرصدت غضبا وحزنا وألما فى كل بيت مصرى.
حالة من الغل والرغبة فى الثأر والانتقام، روح وإصرار على الانتصار، وتضحيات لم يقدمها من قبل أى من الأجيال السابقة.
المصريون قرروا إعلان حالة الحياة، قرروا أن يتعاملوا مع حربهم بأنفسهم وبأرواح أبنائهم، يعتقد البعض أن المصريين سيخرجون على رئيسهم ويثورون وتختل جوانب المجتمع بعد هذه الأحداث، إلا أنه سبحان الله يزداد المصريون تماسكا وتزداد الحالة الوطنية مع كل حادث إرهابى تمر به البلاد.
حادث الروضة ليس الأول ولن يكون الأخير، لكنه كان الأصعب من حيث أسلوب تنفيذه ومن حيث عدد الضحايا.
يتساءل البعض: ماذا يستطيع المواطن العادى أن يقدم لوطنه فى هذه الأوقات؟ ويتناسون أنه يقدم بالفعل صبرا وتماسكا وإيمانا ببلده، ويتغلب على أحزان صعبة ومؤلمة.
يتخيل البعض أن مثل هذه الأحداث ستحدث قلاقل فى النظام السياسى المصرى، معتقدين أن هذا الأسلوب قادر على إرباك القيادة واختراق علاقتها بالشعب، وكانت النتيجه بالعكس تماما، ليس بسبب أن هناك تضييقا عليهم أو خوفا من الحاكم، وإنما إيمان حقيقى بصدق الجميع وإخلاصهم فى هذه الحرب.
قد يسأل البعض عن النتائج، لكن علينا قراءة المعطيات أولا، فمن فى العالم من الدول المتقدمة نجح فى أن يعطى لشعبه ضمانا ضد الإرهاب؟
تذكروا باريس، نيويورك، لندن، برلين، عواصم تملك أقمارا صناعية وأموالا لا حصر لها، ولكن قتل أبناؤها فى الشوارع والمسارح والميادين، ونحن نعانى من مشاكل اقتصادية ونقع فى منطقة مليئة بالصراعات، وسبق لغيرنا أن انهار من أول مواجهة إلا أننا نبنى ونتقدم ونحن نحارب، ومقتنعون تماما بصدق موقفنا فى هذه الحرب التى تستهدف إنسانيتنا.
لقد ضرب المصريون أروع المثل فى تقبلهم لهذا الواقع، وفى تحملهم لمشاهد الدماء التى سالت من أبنائهم، وفى التفافهم حول قيادتهم، وفى إيمانهم بوطنهم.
وفى هذه الأوقات، يزداد الشرح والاستنتاج، علما بأن ما لدينا من معطيات ليس الكثير، فالمواطن غير الدولة بأجهزتها، ورؤيتنا للأحداث رؤية مبنية على معطيات بسيطة معظمها من وسائل الإعلام، لكن الدولة لديها الرؤية الأشمل والمعطيات الكاملة.
ويسأل البعض: وماذا فعلت الدولة؟ وأنا هاستفيد إيه من الشرح؟ وعلى الدوله أن تنتصر وفورا وتوقف نزيف دماء أبنائنا.
نعم.. هذا حق لكل مواطن، لكن حق المواطن المصرى الذى يتولى المنصب العام علينا أيضا أن نضع أنفسنا مكانه، ونسأل: هل تأخر يوما أو تقاعس؟ هل ضعف أو انكسر أمام هذه الحرب الشرسة؟ الإجابه بكل المعانى.. أبدا.
لكن كل المجتمع بكل طوائفه يتفهم ما نحن فيه ويتحمل ويصبر، وما أصعب الصبر!
ولن أسهب فى وصف حادث مسجد الروضة، لكن هو باختصار أكبر حادث مرت به مصر فى السنوات الماضية حمل فى طياته أسلوبا جديدا هو الأصعب من نوعه فى المواجهة.
لكن حربنا هى ضد دول تمول وتخطط وتدرب، والعالم أجمع بأجهزته المخابراتية لديه هذه المعلومات، ولكن يكتفى رؤساء الدول بمكالمات هاتفية ومواساة وإجراءات بروتوكولية بحتة!!
ماذا فعل المجتمع الدولى لمصر؟ ماذا قدم على الأرض؟ لماذا لم يتخذ قرارات ضد دول بعينها يعلم الجميع أنها تمول وتمد بالسلاح؟
هل يعقل أن يستطيع أفراد تجنيد كل هؤلاء وإمدادهم بالأسلحة المتقدمة والسيارات الحديثة؟
هل يعقل أن هذه العمليات من صنع وتخطيط وتنفيذ جماعات؟
إن المال والفكر هما الأسلحة التى يستخدمها أعداؤنا فى حربهم ضدنا، وللأسف يستخدمون بعض ناقصى العقل منا لقتل أبنائنا، وقد مللنا شرحا لهذه المعادلة بمعطياتها.
وفى ظل الأزمة نتحدث عن أسلوب إدارة الأزمة، فأعتقد أن هذه المرة الدولة وإعلامها الرسمى تعاملا بشفافية وبسرعة، وتعلموا من دروس ماضية، وكانت المكاشفة والمصارحة من النائب العام عن أعداد الضحايا قاطعة وأغلقت كل الأبواب للاجتهادات.
لكن طبعا على الجانب الآخر، وكالعادة، حاول البعض لمضاعفة نسبة المشاهدة أن يأخذنا إلى بطولات زائفة على مؤسسة الأزهر أو أحد الأشخاص العاملين بها، معتقدا أن هذا هو الوقت المناسب لتنفيذ خطة بعيدة المدى.
وأصبحت نجومية الموقف هى طمع هؤلاء حتى وإن كان على حساب الوطن، فى ظل مجتمع يريد أن يرى أى تقصير ليحمل صاحبه المسؤولية مستغلين المشاعر الملتهبة.
إن الهجوم على الأزهر جريمة وإصلاح ما به من قصور واجب، لكن استغلال الأحداث لعمل بطولة زائفة، هذه أمور تعودنا عليها من نفس الأشخاص فى كل العصور.
إننا نتطلع إلى عمل جاد على الأرض وتغيير يومى فى خطط المواجهة وتحديد كل ما تريده الدولة من المواطن فى هذه الحرب واستغلال الحالة الوطنية السائدة فى خدمة هذه الحرب.
أعرف أننا لا نعلم كل شىء وأتفهم أنه لا يجب أن نعلم كل شىء، لكن أيضا على الدولة أن توجه وتطلب من المواطن إجراءات معينة يقوم بها وأخرى يتجنبها فى هذه الحرب.
كى تحدث إرباكا للمجتمع المصرى أعتقد أنها مهمة ليست سهلة، فقد ذاق المصريون الكثير، ولديهم إحساس حقيقى وقت الخطر على بلادهم.
إننا فى هذه الحرب لا نملك إلا أن نقف وبكل قوة وعن اقتناع خلف قواتنا المسلحة والشرطة ليس نفاقا وإنما واقع، فكل منا يجلس فى بيته يشاهد الأحداث، وهؤلاء يتركون بيوتهم بلا رجعة كى نحيا نحن فى بيوتنا.
لم تتوقف المشاريع ولا البناء، لم يترك أى منا مكانه، نعرف أنها لن تكون الأخيرة، لكننا باقون فيها بكل ما فيها، وهايفضل فيها حاجة حلوة.
اطمئنوا، فمهما كان أو سيكون، فقد أعلن الشعب المصرى، أعلن حالة الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة