دشنت دولة الإمارات العربية المتحدة "معرض الآثار الرقمى" فى مقر الأمم المتحدة بنيويورك، كمبادرة رائدة من نوعها من مؤسسة دبى للمستقبل والبعثة الدائمة لإيطاليا لدى الأمم المتحدة ومعهد الآثار الرقمى البريطانى فى جامعة أكسفورد، تسعى إلى توثيق تفاصيل وبيانات المواقع الأثرية فى المنطقة، خاصة تلك المهددة بالدمار أو الزوال، باستخدام تقنية التصوير ثلاثى الأبعاد، بحيث يتم إحياؤها وإعادة بنائها بالكامل بواسطة تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وذلك ضمن مشروع عالمى يهدف إلى تطويع التكنولوجيا المتقدمة واستخدامها للحفاظ على الآثار التاريخية المهددة أو المعرضة لخطر الاندثار أو الزوال، بوصفها تؤرخ للمنجز البشرى فى أكثر صوره إبداعاً عبر حقب التاريخ المختلفة، كى يظل هذا المنجز قائماً مشكلاً مصدر إلهام وإبداع متجدد لأجيال المستقبل.
ويشمل "معرض الآثار الرقمى" كشف النقاب لأول مرة عن قطعة "تمثال أثينا" التى تم بناء نسخة طبق الأصل من التمثال النادر باستخدام التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد، وتمثال أثينا هو قطعة أثرية نادرة لا مثيل لها، تعرضت للتدمير الجزئى وتم توثيقها فى نفس موقع "قوس النصر"، البوابة التاريخية لمعبد مدينة تدمر السورية، الذى كان قد تعرض بدوره للتدمير الكامل على أيدى تنظيم "داعش" الإرهابى. ويشهد المعرض أيضا تقديم عرض توضيحى متكامل عن نسخة مرمّمة ثلاثية الأبعاد بالحجم الطبيعى له.
تمثال أثينا (1)
فى هذا الخصوص، أكد عمر سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعى نائب العضو المنتدب لمؤسسة دبى للمستقبل، أن صون الإرث الحضارى للبشرية جزء من رسالة الإمارات وقيادتها الرشيدة، ومستقبل المنطقة سيظل مرتبطا بتاريخها وتراثها وحمايته حماية لحضارة هذه المنطقة.
تمثال أثينا (2)
وقال عمر سلطان العلماء، مشروع التوثيق الأثرى الرقمى الذى تتبناه الإمارات بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية عالمية مرموقة واستخدام التكنولوجيا الحديثة لإحياء تراث عالمنا العربى يعكس رسالتنا كدولة تؤمن بأن حماية مكتسبات الماضى من شأنه أن يلهم الأجيال الجديدة فى منطقتنا لمراكمة المنجزات الإنسانية، وبناء مستقبل يقوم على أسس ثابتة.
04 - HE Al Olama - UN
وشدد عمر سلطان العلماء على أهمية تبنى هذا المشروع فى منطقتنا فى هذا الوقت تحديداً، قائلا: تواجه حضارتنا العربية والإسلامية التحدى الأكبر فى تاريخها مع محاولة إلغاء منجزاتها وماضيها، ومن واجبنا نحن أبناء هذه الحضارة الإنسانية الثرية أن نساهم ولو بجهد يسير فى الحفاظ عليها وحمايتها.
واختتم بقوله يأتى اختيارنا لبعض ما ضاع أو تعرض للنهب أو التدمير فى مدينة تدمر كونها واحدة من أهم وأجمل مدن الشرق، فهذه المدينة استوعبت على مدى العصور تأثيرات ثقافية وحضارية عدة، وشهدت حضارة عمرانية مدهشة، جمعت بين أجمل ما أنتجه الشرق والغرب مشكلةً نموذجاً تاريخياً للتلاقح الحضارى والتفاعل الثقافى والتجارى بين الأمم"، مضيفاً: "ومن شأن هذا المشروع الرقمى الضخم أن يحيى الدور التاريخى الذى لعبته تدمر وأن نذكِّر العالم بأن الحضارات العظمى لا تموت".
وحضر عمر سلطان العلماء افتتاح "معرض الآثار الرقمى" إلى جانب سعود حمد الشامسى نائب المندوبة الدائمة والقائم بأعمال البعثة الدائمة للإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة فى نيويورك، وميروسلاف لايتشاك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة وماريا لويزا فيوتى رئيسة مكتب معالى أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة وسيباستيانو كاردى رئيس مجلس الأمن الدولى لهذا الشهر، سفير إيطاليا لدى الأمم المتحدة.
من جانبه، قال سعود الشامسى، معرض الآثار الرقمى يترجم حرص دولة الإمارات على بناء شراكات عالمية تسهم فى الحفاظ على تاريخ الحضارات الإنسانية"، وأضاف: "لقد أعادت الإمارات إحياء البوابة التاريخية لمدينة تدمر، واليوم تقدم تحفة جديدة وتطرح مشاريع إعادة إحياء وإعادة بناء جديدة لتؤكد من جديد على رسالتها وهى أن الإمارات دولة عطاء وبناء وعمل دائم من أجل خدمة الإنسانية". ولفت الشامسى إلى أن "القيادة الإماراتية الرشيدة تسعى إلى توثيق تعاونها مع مؤسسات عالمية رائدة للعمل على مشاريع تصب فى مصلحة الإنسانية جمعاء، وتوفير بيئات إبداعية ومنتجة لأجيال المستقبل.
وقال روجر ميشيل، المؤسس والمدير التنفيذى لمعهد الآثار الرقمى، تقدم الأمم المتحدة ونظراً لما تتمتع به من مكانة دولية مميزة، منصة مثالية لإيصال رسالة عالمية للسلام، ووقوفها على قضايا تواجه الإنسانية فى السلم والأمن، كما أن الأمم المتحدة تعتبر المكان المثالى لكشف النقاب عن أحدث تعاون جمعنا بمؤسسة دبى للمستقبل وهو إعادة بناء نصب "أثينا" التدمرى الشهير حيث جسدت "أثينا" معانى سيادة القانون والحق والإيواء وهى مجموعة من القيم الإنسانية السامية التى تتماشى مع القيم التى قامت عليها منظمة الأمم المتحدة، و يرمز هذا النصب المعاد إحياؤه بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد والذى قام بتدميره المتطرفون، إلى التزام المجتمع الدولى بمحاربة أشكال الإرهاب والتعصب كافة، ونثمن اليوم هذا التعاون مع مؤسسة دبى للمستقبل للتأكيد على الالتزام بالدور الإنسانى للمعهد فى خدمة التراث البشرى.
قوس النصر وأثينا
هذا ويأتى "معرض الآثار الرقمى" ضمن شراكة استراتيجية بين مؤسسة دبى للمستقبل ومعهد الآثار الرقمية البريطانى فى جامعة أوكسفورد المرموقة، فى إطار مشروع عالمى يعمل على توثيق المواقع الأثرية فى المنطقة وموجوداتها من خلال تقنية التصوير ثلاثى الأبعاد، وإعادة بنائها باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد للحفاظ عليها من الزوال.
ويشهد المعرض كشف النقاب لأول مرة عن نموذج لمنحوتة أثرية فى مدنية تدمر تم إعادة بناؤها، لتكون نسخة مطابقة عن الأصل الذى تعرض لتدمير جزئى، يعرف هذا التمثال باسم "أثينا"، ويعد من أهم الاكتشافات الأثرية التى تعود لحقبة ما قبل الإسلام فى المدينة، وكان علماء الآثار قد رصدوا التمثال الذى تعرض لتدمير جزئى بالقرب من "قوس النصر"، حيث لوحظ أنه فقد رأسه وذراعه اليمنى المرفوعة. ومن شأن النموذج الذى تم بناؤه كنسخة مطابقة عن التمثال الأصلى أن يشكل الأساس الذى يمكن اعتماده فى إعادة إحياء العديد من المنحوتات التى تعرضت لدمار جزئى أو كامل، عبر استخدام تكنولوجيا التصوير والطباعة ثلاثية الأبعاد.
إلى ذلك، سوف يتسنى لجمهور المعرض الاطلاع بالتفصيل على آلية إعادة بناء "قوس النصر"، القطعة التاريخية الأهم فى مدينة تدمر، التى تعرضت لتدمير كامل على أيدى عصابات "داعش" الإرهابية، قبل أن تقوم مؤسسة دبى للمستقبل بإعادة بنائه فى إطار شراكتها العالمية مع المؤسسات ذات الصلة.
ويشكل إعادة إحياء "قوس النصر"، البوابة التاريخية لمدينة تدمر، أول مشروع علمى حضارى من نوعه، ينطلق من تعاون عالمى وبواسطة جهود بحثية تجمع أهم وأبرز خبراء الآثار وخبراء التكنولوجيا ثلاثية الأبعاد فى العالم. ولقد تم عرض "قوس النصر" فى عدد كبير من مدن العالم بينها العاصمة البريطانية لندن ونيويورك فى الولايات المتحدة ودبى فى الإمارات ومدينة أرونا فى إيطاليا، حيث اجتذبت البوابة التاريخية المعاد بناؤها جمهوراً فاق عدده ستة ملايين شخص فى تلك المدن، كما أقيمت على هامش عرض البوابة فى ساحات المدن الرئيسية أكثر من 50 فعالية مصاحبة من بينها ندوات وجلسات نقاشية للتعريف بالمشروع، شارك فيها أكثر من 120 شخصية عالمية مؤثرة.
ويبلغ حجم النسخة الجديدة من قوس النصر ثلثى حجم النسخة الأصلية التاريخية، التى دمرها إرهابيو "داعش"، حيث يبلغ طوله 5.5 أمتار، كما يزن نحو 11 طناً، وقد تم استخدام الرخام لإعادة بنائه باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد. وقد حاز هذا النموذج من البوابة التاريخية على جائزة "نائب رئيس جامعة أكسفورد" إحدى أرقى الجوائز فى العالم التى تكرم المشاريع المبتكرة لخدمة المجتمعات الإنسانية.
وإلى جانب نموذج "قوس النصر" وتمثال "أثينا"، يتضمن "معرض الآثار الرقمى" تقديم عرض عن مؤسسة دبى للمستقبل وشراكتها الاستراتيجية مع "اليونسكو" ومعهد الآثار الرقمى البريطانى وجامعتى أكسفورد وهارفرد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة