عفاف عبد المعطى تكتب: جائزة بولتزر والرواية الأمريكية

الإثنين، 30 أكتوبر 2017 10:00 م
عفاف عبد المعطى تكتب: جائزة بولتزر والرواية الأمريكية عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

طالعتنى كلمات المناضل مارتن لوثر كينج فى خطبته المشهورة "لدى حلم" عند قراءة نص أن تقتل طائرًا بريئًا للكاتبة الأمريكية هاربر لى، والقاسم المشترك بين الخطبة والرواية هو طرح فكرة العنصرية، التى قد تكون انتهت بشكل ما ظاهريًا بتولى أوباما لرئاسة الولايات المتحدة وكذلك تقلد عدد من الوزراء الأمريكيين – من أصول زنجية – لمقاليد الحقائب الحكومية خاصة الخارجية.

 

وأفرد كينج عددًا من الجمل المهمة فى نهاية خطبته التى دعا فيها إلى نبذ العنصرية: "لدى حلمٌ بأن أطفالى الأربعة سوف يعيشون يومًا ما فى دولةٍ لا يُحكم عليهم فيها على أساس لون بشرتهم، وإنما شخصهم وأفعالهم، لدى اليوم حلم، عندما نقرع جرس الحرية، نقرعه من كل القرى الصغيرة والكبيرة، ومن كل ولاية ومدينة، سنستطيع أن نعجّل قدوم ذلك اليوم المنتظر الذى فيه أبناء الرب جميعهم، الرجال السود والرجال البيض يشبكون أياديهم ويتغنّون أحرارٌ أخيرًا.. أحرارٌ أخيرا.. لك الشكر يا ربنا.. أخيراً نحن أحرار" .

 

وتقوم رواية "أن تقتل طائرا بريئا" للكاتبة هاربر لى - التى صدرت مؤخرا عن دار الشروق بالقاهرة بترجمة متميزة للدكتور داليا الشيال والتى سبق أن ظهرت بترجمة غير دقيقة تحت عنوان "لا تقتل عصفورًا ساخرًا"، وأقيمت لها ندوة مهمة بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا فى بداية موسمها الثقافى برعاية الدكتور عصام حمزة، عميد كلية اللغات والترجمة ونائبه الدكتور أحمد عبد المولى وقد حضرتها السيدة روث آن الملحقة الثقافية بالسفارة الأمريكية بالقاهرة وتحدثت بشغف شديد عن النص وقرأت فقرات كثيرة منه فضلاً عن عرض جزء من الفيلم الذى يحمل نفس عنوان النص "أن تقتل طائرًا بريئا"ـ تقوم الرواية على الفكرة نفسها، فكرة نبذ العنصرية لذلك حققت نجاحًا سريعًاً وأصبحت علامة فى الأدب الأمريكى الحديث، الرواية مبنية على حياة الكاتبة ومشاهداتها وعلاقاتها بالعائلة والجيران. وأيضًا على حادثة وقعت بالقرب من بلدتها عام 1936 حينما كانت فى العاشرة.

 

جين لويز سكوت أو سكاوت، هى الشخصية الرئيسية والراوية ذكية جداً وتمر بوقت صعب فى المدرسة، نظرًا لأنها أجادت القراءة والكتابة بالفعل قبل الالتحاق بها، والرواية تدور بشكل ما حول النضج التدريجى الذى تصل إليه سكاوت.

 

وتقدم تلك الرواية تعبيرًا أدبيًا عميقًا عن التمييز العنصرى فى أميركا فى مطلع القرن الماضى، لكن حقيقة الأمر، أن قضية العنصرية تحتل الجزء الثانى من الرواية تلك التى تبدأ على لسان الراوية "سكاوت" الطفلة الصغيرة، لتنقلنا إلى مدة زمنية بعيدة عنا تطلعنا فيها على مجتمعها ومجتمع قريتها، نستعيد معنى الطفولة عبر حكاياتها الساخرة والمريرة أحيانًا
لا يمكن أن تصادف مثل ذلك الألم الساخر فى نصوص كثيرة، الأمر يحتاج إلى كاتب يكتب معولًا على روحه وقلبه قبل موهبته وقلمه…تعيش “سكاوت” مع والدها المحامى “أتيكوس” بطل الرواية الأول. وأخيها “جيم” ذلك الذى يكبرها بأعوام، فى مدينة مايكومب فى ولاية ألاباما، فى غضون الثلاثينات من القرن العشرين، حيثما تختلف التفصيلات الزمانية لكن يتشابه البشر والمجتمعات؟

 

أسهبت الكاتبة هاربر لى فى وصف صورة التفرقة العنصرية وضياع البراءة عبر عين الطفلة البيضاء الراوية التى تصف ما ترى من قهر للزنوج لصالح البيض خاصة وأن أبيها المحامى الأبيض هو المدافع عن المتهم الزنجى وقد صار بطلاً أخلاقياً للعديد من القرّاء ونموذجاً لنزاهة المحامين.

 

كذلك تناولت الكاتبة هاربر لى قضايا الطبقية، الشجاعة والتسامح، وحشدت الكثير من الشخصيات التى يشعر قارئها أن لكل منها قضية منفصلة مثل توم روبينسون المتهم الذى يدافع عنه آتيكوس فينتش فى الرواية، جيم فنتش أخو سكاوت، وهو أكثر هدوءاً وتحفظاً من أخته،لديه مبادئ وتوقعات تجاه البشر، وهو ما لم يجده فى الواقع لذا يصاب بالإحباط، ثم بو أو أرثر رادلى، شخص منعزل، وهو شخصية غامضة بالنسبة لأطفال البلدة وتدور حوله خرافات مخيفة. فمنذ صغره كاد يُرسل إلى مدرسة صناعية بعيدة بسبب تورطه مع شبّان مشاكسين. لكن والده يفضّل إبقاءه حبيس المنزل، ويبدو أنه معرض لنوع من العقاب، فيما بعد يطعن آرثر أباه فى ساقه. ويُرسل للسجن مجدداً. ثم يخرج، وهذه المرة يبقى فى المنزل للأبد بإرادته. عدا خروجه أحياناً ليلاً. سكاوت وأخوها جيم وقريبهما ديل مهووسون بفكرة إخراجه من المنزل. لذا تنشأ صداقة خفية بينه وبين الصبية سكاوت الوحيدة من الثلاثة التى تراه أخيراً وتتحدث معه. وهذا المشهد يُشار إليه عادة كـلحظة نضج حقيقية وتنوير تصل إليه سكاوت، بطلة الرواية. وكذلك تنوير معنوى للقارئ.

 

حازت تلك الرواية على جائزة بوليتزر، التى تمنحها جامعة كولومبيا وتضارع فى اهميهتا جائزة نوبل، لأنها عدت إحدى علامات الأدب الأمريكى الحديث.. تحولت الرواية إلى فيلم من أهم الأفلام العالمية، حصل على أوسكار أفضل سيناريو مأخوذ عن عمل أدبى وأفضل ممثل لجريجورى بك. وعندما تحدثت الدكتور داليا الشيال عن الصعوبات التى واجهتها فى الترجمة ذكرتنى بما عانيت إبان ترجمتى لثلاثية الكاتب الامريكى المعروف بول اوستر " ثلاثية نيويورك " خاصة الجزء المعلق بمدينة نيويورك الموصوفة دائما بانها مدينة من زجاج نسبة لكم التشوه الذى يعانية البشر من تشابك وتهرأ اجتماعى فيها، أن ظهور ترجمة رصينة لرواية مثل رواية "أن تقتل طائرا بريا" لشىء يشار اليه بالبنان خاصة وأن المكتبة العربية لا تزال تحتاج إلى الترجمات المهمة المتقنة.

 

ان تقتل
ان تقتل

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة