إذا احترم المصريون النيل، فسوف تحترمهم الحياة، لأنه هو الذى منحهم الحياة، ومن باب رد الجميل يجب أن تتضافر الجهود، لإزالة كل صور الإهمال والتعديات، وأكثر من شعر بتقديسه هم الفراعنة، ولعنوا من يعتدى عليه أو يلوث مياهه، وتوعدوه بالعقاب وسوء المصير، لأنهم فهموا جيدًا أنه سر الحياة، مثل الروح التى تسرى فى الجسد، والله سبحانه وتعالى يقول : «وجعلنا من الماء كل شىء حى».. وهذا النهر بالنسبة لمصر هو البقاء والخلود، وهل من الممكن أن نتصور شكل الحياة بدون النيل؟
النيل ليس مجرد نهر يجرى فى أراضينا، ولكنه شريان التواصل والتقارب والدفء والعلاقات الحميمية، هو الذى جمع المصريين حول ضفافه منذ جريانه، ووحدهم من التشتت فى الصحراء، وخلق فيهم غريزة التعاون والتآخى والتسامح والسلام، لأنهم لم يكونوا أبدًا قبائل بدوية مشتتة فى الصحراء، تتناحر وتتصارع من أجل بئر مياه، وإنما تتصالح من أجل تفعيل الحياة والخير والنماء، النيل هو الذى طبع أخلاق المصريين بالهدوء والمحبة والتعاون والتعايش، لأن خيره الوفير كان يكفيهم ويزيد، ومن أراد منهم أن يعيش، فأمامه كل روافد الحياة.
كيف نحمى النيل؟.. هذا هو السؤال: كيف نعيد إليه الشعراء الذين هجروه والعاشقين الذين أداروا ظهورهم له، والأدباء الذين استلهموا منه أعمالاً خالدة وباقية؟، وهل يشعر الذين يعتدون على النيل مثلاً بعذوبة وقوة الكلمات الرائعة التى تقول: «أنا النيل مقبرة للغزاة» أو «النيل نجاشى، حليوة أسمر».. أين احتفالات النهر وعروس النيل؟، السبب أننا لم نعد نحترم النيل، لم نعد نتغزل فى محاسنه ونغنى لصفائه.. فبادلنا نفس الشعور ولسان حاله يقول: «ارغوله فى إيده، يسبح لسيده، حياة بلدنا، يا رب ديمُه».
أعتقد أن أول شىء هو عودة البهجة، وأن نختار يومًا للاحتفال السنوى بعيد النيل، وأن تقام الاحتفالات والمهرجانات فى كل أنحاء القطر المصرى، على ضفاف النهر العظيم، عيد النيل، مثل شم النسيم، يجب أن يكون عيدًا مصريا خالصًا، يخرج فيه الجميع إلى ضفاف النهر لزراعتها بالورود وتزيينها بالأقواس والبالونات والألوان المبهجة.
النيل يرتبط بمصر وجودا وخلودا، ولن ينال منه سدود الطامعين ولا أوهام المتربصين، ينبض كالقلب فى الوديان والورود وأوراق الشجر، سيمفونية أبدعها الخالق وتعزفها قلوب المصريين، فأحبوه وأحبهم، وعشقوه وعشقهم، يدافع عنهم ويدافعون عنه، ويرد كيد الكائدين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة