د. مغازى البدراوى

بوتين الذى جعل أوباما "بطة مكسحة"

الخميس، 05 يناير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حصل الرئيس الأمريكى باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام بعد ثمانية أشهر فقط من توليه الرئاسة عام 2009، وكان السبب الرئيسى لحصوله عليها هو إعلانه عن "إطلاق العلاقات الأمريكية – الروسية " وتحسينها، وساعدته روسيا كثيراً فى ذلك بموافقتها على توقيع اتفاق الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية بعد توليه الرئاسة، رغم أن موسكو كانت معترضة على الاتفاق لأنه لا يشمل الأسلحة الدفاعية، خاصة الدرع الصاروخى الأمريكيين الذى ترفضه موسكو تماما، لكن رغم هذا، كان أوباما، وبشهادة الأمريكيين قبل الروس، أسوأ رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة فى العلاقات مع روسيا، حتى أن الكثيرين تصوروا أن المسألة مجرد حقد وغيرة من الرئيس بوتين الذى لمع نجمه بقوة وطغى على الجميع، وزادت شعبيته فى العالم كله، حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. 
 
قرار الرئيس أوباما الأخير بطرد أكثر من ثلاثين دبلوماسى روسى وبتوقيع عقوبات جديدة على روسيا، يعد سابقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث لم يحدث، ولا فى زمن الحرب الباردة، أن رئيس أمريكى فى الأيام الأخيرة له فى البيت الأبيض يتخذ مثل هذه القرارات الحادة مع دولة كبيرة مثل روسيا، ولا حتى مع دول أخرى، بل دائما يحرص الرئيس الأمريكى المغادر أن تكون آخر أيامه فى البيت الأبيض هادئة تماماً، ولا يتخذ أية قرارات حادة، داخلية أو خارجية، ولهذا لم يكن غريباً رد الرئيس بوتين المفحم الذى خالف الأعراف الدبلوماسية كلها وخالف قاعدة "التعامل بالمثل" وأثار إعجاب العالم كله، بعدم الرد بالمثل وعدم طرد دبلوماسيين أمريكيين، بل وجه بوتين الدعوة لعائلات الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين فى روسيا وأبنائهم لحضور احتفالات الكرملين بالعام الجديد، لكن بوتين فى نفس الوقت رد على أوباما بصفعة دبلوماسية تعد سابقة لم تحدث أيضا من قبل فى تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث هنأ الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالعام الجديد ولم يهنئ الرئيس أوباما، رغم أن الرئيسين بوتين وأوباما اجتمعا فى لقاء ودى للغاية فى نوفمبر الماضى فى منتدى "أبيك" فى بيرو، ووجه بوتين الدعوة لأوباما لزيارة روسيا بعد تركه الرئاسة، وبدا على أوباما سعادته البالغة بالدعوة.
 
تصرفات أوباما وقراراته ضد روسيا أثارت دهشة الجميع على مستوى العالم كله، ووصفه البعض بأنه ليس فقط "بطة عرجاء" كما يصفون الرئيس الأمريكى المغادر للبيت الأبيض، بل "بطة مكسحة تماما" تتخبط فى سيرها بلا وعى. 
 
البعض يربط خطأ تردى العلاقات بين أوباما وبوتين بالأزمة الأوكرانية، لكن العلاقات بين الاثنين كانت سيئة من قبل هذه الأزمة، ومنذ أن عاد بوتين للرئاسة بعد ميدفيديف، وزادت شعبيته بشكل ملحوظ، وبات واضحاً أنه سيظل فى الكرملين لسنوات طويلة، على الأكثر حتى عام 2024، والأمر هنا ليس حقداً ولا مشاعر شخصية خاصة لدى أوباما تجاه بوتين، هذه المشاعر التى هى على الأرجح موجودة لدى أوباما، لكنها بالطبع ليست هى المحرك لتصرفاته ولا هى السبب فى القرارات التى اتخذها ضد روسيا، لكن الأرجح أن الرئيس أوباما مسير لا مخير، وموجه من اليمين المحافظ الأميركى الذى يكن مشاعر عدائية متأججة تجاه روسيا، ويعتبرها العدو الأول للولايات المتحدة، وهذا ما صرح به الرئيس أوباما من قبل، عندما قال فى حديثه فى الكلية العسكرية الأمريكية أن روسيا أخطر من تنظيم "داعش" على السلام والأمن الدولى. 
 
ورغم أنه ليس من عادة الرؤساء الأمريكيين، سواء الديمقراطيين منهم أو الجمهوريين، أن يتصدوا بأنفسهم للهجوم على روسيا ووصفها بمثل هذه الصفات، بل يتركوا ذلك لأشخاص آخرين من داخل إدارتهم أو من خارجها، إلا أن أوباما الذى انهارت شعبيته كثيرا فى داخل الولايات المتحدة وزادت حدة الانتقادات الموجهة إليه فى الأشهر الأخيرة، وحمله الحزب الديمقراطى مسئولية فشل هيلارى كلينتون وفوز ترامب، بسبب سياساته الفاشلة على مدى السنوات الماضية من حكمه، انتابه القلق على مستقبله بعد الرئاسة، خاصة وأنه لم يسبق أن تعرض رئيس أمريكى لهذا الكم من الهجوم والانتقادات من كلا الحزبين، الديمقراطى والجمهورى. 
 
لقد بدا واضحا الربط بين الصعود القوى لروسيا ورئيسها بوتين وبين تراجع مكانة الولايات المتحدة وتأثيرها على الساحة الدولية، وقد حمل الكثيرون أوباما المسئولية فى ذلك بسبب عدم قدرته على اتخاذ أية قرارات حاسمة على الساحة الدولية طيلة فترة حكمه، فى الوقت الذى ذهب الرئيس الروسى بوتين يفعل ما يشاء فى أوكرانيا وفى سوريا، ويجبر الجميع على احترامه والإعجاب بإنجازاته الميدانية. 
 
الغريب أن أوباما أصدر قراراته الحادة الأخيرة، ليس بسبب أوكرانيا أو سوريا، بل بسبب اتهام باطل لروسيا باختراق مواقع أمريكية رسمية على الانترنت وتدخلها فى توجيه انتخابات الرئاسة الأمريكية لصالح ترامب، وهو الاتهام الذى أنكرته موسكو تماماً ولم تقدم واشنطن أى دليل عليه، واعتبر الكثيرون داخل الولايات المتحدة هذا الاتهام فى حد ذاته إهانة كبيرة للولايات المتحدة التى طالما أسست دعايتها المضادة لروسيا على تخلف الروس فى التكنولوجيا الحديثة، وها هى تتهمها باختراقها لشبكة الانترنت الأمريكية الصنع، وهذا اعتراف ضمنى بتفوق روسيا على الولايات المتحدة فى تقنية الاتصالات الحديثة.
 
فى الوقت الذى تشكل عقوبات أوباما لروسيا إرثا ثقيلاً للرئيس المنتخب ترامب المتحمس للتقارب مع روسيا، إلا أن أوباما الذى فقد الأمل تقريباً فى مساعدات ودعم حزبه له بعد تركه الرئاسة، بات يعول كثيراً على دعم اليمين المحافظ له مادياً ومعنوياً بعد خروجه من البيت الأبيض، هذا اليمين المحافظ الذى يسعى بشدة لشيطنة روسيا وجعلها العدو الأكبر لأميركا. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة