"جلس شارد الذهن، وقد طار النوم من عينيه، إذ كانت أفكاره تتحدث بصخب في أعماق نفسه فيما ينتوي أن يفعله إزاء كلمات زميله التي تصفه بالضعف والجبن والغباء. فكثيرًا ما حاول زميله إقناعه باستخدام سلطاته في الحصول على مزيد من الأموال من عملاء الشركة مقابل تخليص أوراقهم، وكان هو يرفض قائلًا : إن الأمانة كَنز لا يفنى . أمّا زميله هٰذا فقد كان لا يتوقف عن الاستهزاء بمبادئه وبأفكاره ، مؤكدًا له أنه لن يتمكن من تحقيق أيّ نجاح في الحياة. وبينما هو هٰكذا وقعت عيناه على كلمات كان قد خطها مبدأً لنفسه في الحياة: "يومًا ما سوف يعود إليك"؛ وفي تلك اللحظة، امتلأ قلبه بالسلام وابتسم، ليسري النوم إلى عينيه، فغدًا يوم عمل جديد، وشمس تشرق حاملة هبات الله ومراحمه له كما في كل صباح.".
نعم ، يقولون في الأمثال : "يومًا ما سوف يعود إليك" ؛ والمقصود أن كل عمل يفكر فيه الإنسان أو يؤديه سوف يعود إليه يومًا ما ، حاملًا معه ما قدمه هو للآخرين . إنه أحد قوانين العدل الذي وضعه الله بين البشر في الحياة؛ فمن يتأمل الحياة يمكنه أن يتتبع عدل الله الذي يسري بين الخليقة بأسرها، وإن طالت الأيام. قرأتُ قصة عن أحد الملوك الذين امتلأت حياتهم بالظلم، وفاقت قساوته كل حد، حتى إن شعبه كان يدعوه "الملك الذي لا يعرف الرحمة"! وكان شعبه يتوق إلى ذٰلك اليوم الذي يتخلص فيه من حكمه الظالم، راغبًا في موته.
وفي يوم من الأيام، حدث ما لم يتوقعه الشعب: إذ أعلن الملك أنه يرغب في بَدء مدة حكم جديدة قِوامها العدل والرحمة، مقدِّمًا وعودًا لشعبه بأنه قد انتهى زمن القسوة والظلم. في بداية الأمر لم يصدق الشعب ما أعلنه الملك، ولٰكن تمضي الأيام ويسلك الملك بحسب ما وعد رعيته حتى إنها أطلقت عليه لقب "الملك الأب"!! وتنقضي الأيام والأشهُر سريعة، والجميع ينعمون بالسلام والهُدوء، منشغلين بالعمل. إلى أن قرر أحد الوزراء أن يعرف سر تحول الملك، فسأله ذات يوم عن سبب ذٰلك التغير!
نظر الملك إلى وزيره مبتسمًا، وقال إنه بينما كان يتجول في إحدى الغابات ممتطيًا حصانه، رأى كلبًا يطارد ثعلبًا حتى كسر ساقه؛ ثم رأى ذٰلك الكلب يهاجم أحد الرجال فدافع عن نفسه وضربه بعصا فكُسرت ساقه. وبينما يحاول الرجل أن يمتطي حصانًا حتى رفسه الحصان فسقط بعد أن كُسرت ساقه؛ ثم انطلق الحصان صوب الغابة لٰكنه وقع في حفرة لتُكسر ساقه! توقف الملك قليلًا عن الكلام، ثم استطرد قائلًا: لم أجد نفسي إلا متأملًا تلك المشاهد مفكرًا فيها حتى أدركت أن الشر لن يجلُب شيئًا سوى مزيد من الشر، وأنه يومًا ما سيأتي عليَّ جميع ما صنعتُه من الشُّرور فقررت أن أبدأ من جديد .
تقول القصة إن الوزير ترك الملك، وهو يفكر في أنه قد سنحت له الفرصة التي ينتظرها منذ سنوات، فيمكنه الآن أن يقتُل الملك ويصير هو على عرش البلاد؛ وبينما هو يفكر في ذٰلك لم ينتبه لخُطواته فتعثُر في حجر أمامه ليسقط وتُكسر عنقه !
- الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ .
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
كيف لا نتعثر
يا فضيلة الأنبا ..اللي عندنا دبش وليس حجر