كثيرا ما تمل النفس البشرية ممن يتودد إليها باستمرار، ويترجم العقل بأن هذا الودود متواجد مهما حدث، متواجد فى كل الأحوال مهما ذهبت النفس وغابت ثم عادت فى أى وقت فإنها تجد الودود كما هو الحال ودوداً.. ولذا فإنها لا تعطيه حقه. وبالمقابل فإنها تبحث دوماً عن غير المتاح.
مع انتشار هذه الحالة غير المقبولة فى قانون الإنسانية أصبح هذا الودود كثيرا ما يوضع تحت مسمى (الضعيف، الطيب، غير المفهوم، الخبيث، المصلحجى.. إلخ)، وذلك لأن ظروف الحياة قد جعلت من هذا الودود بصدق عملة نادرة، واختلطت معه تصرفات الخبثاء أو المصلحجية الحقيقيون، فلم يعد البشر يصدقون الود، ومن هنا تم إبداع جملة (اللى بيطلع من القلب بيوصل للقلب)، وهذا يعنى أن الودود الصادق يمكن إحساس صدقه بالقلب فقط، لكن ما الوضع مع من أجبرتهم ظروف الحياة وخبراتهم المريرة على إعطاء قلوبهم إجازة؟ لأنها كثيرا ما أوقعتهم فى فخ صدمات تصديق الود والحب والصدق. وأصبحا القسوة والحرص هما الحل.
الى أين ستأخذنا هذه الحالة؟ وإذا كان كل منا يرى نفسه أنه هو الودود والصادق فقط وكل من يحيطه خبثاء وهؤلاء الخبثاء يَرَوْن أنفسهم هم الودودين ومن يحيطهم هم الخبثاء! فهل هو مرض مجتمعى أم مرض نفسى؟ وما هو الحل؟
إن أردت إجابات فيمكنك أن تتأمل فيما يلى وأترك لك حرية اتباعه أو إهماله.
إن أردت أن تكون ودودا حقيقياً لمن حولك فلتكن مؤثرا فى حياتهم وقت وجودك فيها، ولا تتألم ولا تحزن إن أخرجوك منها فى أى وقت لأنهم سيعودون إليك حتما فى يوم ما إن كان تأثيرك بالإيجاب وبالخير قوياً، وليكن ودك غير منتظراً للرد، فلا تتوقع الود ممن توده لأنه قد يقدر ودك أو لا لكن تأكد بأن ودك وتأثيرك بالخير لن يضيع؛ لذا (فقد يأتيك الخير ممن لا تعرفه ولا ينتظر رده، لأنك فعلته من قبل مع من لا تعرفه ولم تنتظر رده) وإن كان هذا مبدأك الأساسى فى الحياة فتأكد أن كل من تتعامل معهم مهما طال الوقت سيظلون يبحثون عنك طوال الحياة.
أما بالنسبة للشخص الذى يوده الناس ويحتار فى أمر تصنيفهم ومن أجبرتهم الحياة على القسوة فهؤلاء عليهم عدم نسيان أن الأصل فى الإنسانية (الفطرة) والفطرة بطبيعتها الصدق والطيبة والبراءة والمولود يولد على الفطرة مهما كانت ديانته أو جنسه أو جنسيته... إلخ، لكن ظروف البيئة والمحيطون هم من يلوثون هذه الفطرة، فإن كُنتُم بحق من جنس البشر فلا تتجنبوا الودود حتى لا يتألم الود وتجف المشاعر بين البشر وتكونون فى يوم من الأيام ساهمتم فى انتشار القسوة بين البشر وبالتالى انتشار الأمراض المجتمعية التى نحن جميعاً جزء منها ونشارك فى انتشارها بسبب تعاملنا مع من توقعهم الأقدار فى طريقنا.
كيف أعلم أنه ودود وليس مصلحجى أو خبيث لكى أتعامل معه؟ بداية عليك بإعطاء فرصة لقلبك لاستفتائه.. إن قال لك القلب بأن من أمامك غير صادق فى وده وحياته كلها ليست نظيفة، فلماذا لا تكن أنت الشىء الوحيد النظيف فى حياته لربما تكن أنت سبباً بأن يتحول هذا الإنسان لصادق فى يوم ما.. الآن أسمع عقول معظم من يقرأون هذا المقال بعدما أجبرتهم ظروف الحياة على القسوة تقول (اللى فيا مكفينى وأنا ناقص! هو أنا اللى هصلح الكون؟! هو كان من بقية أهلى؟! هو أنا خلفته ونسيته؟!).. أقول لكم جميعاً إن فكر كل منا بهذه الطريقة فما لنا الحق للشكوى من تغيير الحياة وصعوبتها والبشر غير الأسوياء لأنهم قد أرسلهم الله فى طريقنا فى يوم ما لعلنا نكون سببا فى تبديل أحوالهم للأفضل، ولكننا رفضناها ووفرنا طاقتنا لانفسنا وراحتنا فقط.. فقبل أن ينتشر جفاء المشاعر علينا جميعاً بإعادة تفكيرنا وعدم استخسار طاقتنا فى الآخرين لأن الطاقة رزق، وكلما أعطيت منه للآخر رزقك الله بأضعاف أضعافه فلا تقلق على طاقتك لربما يكن من تستخسر فيه طاقتك سبباً فى أن يلهمك الله الخير والرزق والراحة النفسية فى يوم ما.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة