صدر مؤخرا كتاب "أخلاق التقدم" للكاتب المصرى الدكتور محمد عثمان الخشت، نائب رئيس جامعة القاهرة، عن (دار نيو بوك) للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة، ويدخل هذا الكتاب فى إشكالية التقدم والتخلف، ويلقى الضوء على أسباب تخلفنا وكيف ترجع فى المقام الأول إلى سيادة أخلاق التخلف المسيطرة على سلوك المواطن والتدين الزائف الذى يحكم التعاملات الإنسانية والتجارية، ويكشف عن التحايل والإهمال وعدم اتقان العمل وغيرها من السلوكيات التى تسيطر على الأفراد وبالتالى تفسد الاقتصاد، ويرى الخشت أن "الثقة والصدق وسائر الأخلاقيات" ليست مجرد فضائل لدخول الجنة بل أركان للاقتصاد الناجح.
ويقدم الخشت، فى كتابه "أخلاقيات التقدم" بوصفها الأساس الذى لا يقوم بدونه أى مشروع نهضوى كبير، وأن أخلاق التقدم هى أجندة أخلاقية تحتوى على مجموعة من السلوكيات والممارسات والأساليب التى لا غنى عنها لتحقيق التقدم فى معناه العام؛ التقدم الحضارى والثقافى والعلمى والسياسى الذى يصنع مجتمع الوفاء والعدل فى عالمنا العربى الإسلامى بصفة عامة وفى مصر بصفة خاصة. ويبين المؤلف الحاجة الماسة إلى فلسفة للفعل والعمل لا للكلمة والنظر، فلسفة للتقدم، ومن ثم فلسفة للأخلاق، لكنها ليست أخلاق النظريات الفلسفية المجردة، وإنما أخلاقيات قابلة للتنفيذ؛ أخلاقيات لتقدم الشعوب.
ويناقش الكتاب الدين، وعلاقته بالأخلاق والتقدم، ويتساءل: لماذا تقدمت دول لا تأخذ بالدين وتخلفت دول تنسب نفسها إلى الدين؟ويتكون الكتاب من سبعة فصول، ينتقل فيها المؤلف من الأخلاق إلى فلسفة الأخلاق.ثم من الرؤية الأخلاقية للحياة إلى الأخلاق التطبيقية. كما يحلل مفهوم «الواجب»وفاعليته كدافع أخلاقى يضع السلوك الإنسانى فى إطار العقل والضمير. ويقف طويلا عند الشروط الأولية لأخلاق التقدم.
ويؤكد الخشت، فى كتابه، أن فلسفات الأخلاق التى قدمها الفلاسفة لا تصلح كأساس لأخلاق التقدم، إذ اهتمت بالجانب النظرى فقط من القضية. ويعقد مقارنة بين مجتمعات التقدم ومجتمعات التخلف، ويخرج منها بأن شروط التقدم هى: بيئة تنافسية عادلة، وتقديس الحرية، والضمير، وقانون عادل، وتقديس ثقافة التنمية والإنتاج.
ويرى المؤلف أن أخلاق التقدم لا تعنى تأسيس أيديولوجية جديدة، بل تعنى الاتفاق حول قيم ملزمة ومعيار ثابت ومواقف شخصية أساسية لا يمكن لأية جماعة تهديدها عاجلًا أو آجلًا عبر الفوضوية أو الديكتاتورية. ويؤكد على مبدأين أساسيين تقوم عليهما منظومة الأخلاق التقدمية؛ وهى أن كل فرد ينبغى أن يُعامَل على نحو إنسانى؛ وأن نفعل للآخرين ما نتمنى أن يفعلوه معنا. وهو ما أطلق عليه «الإرادة المتسقة مع ذاتها» وهى قاعدة عميقة فى جذور التراث الإنسانى كله.
ويختم الخشت، كتابه بـ «كلمة أخيرة» بعنوان: «لا تقدم بدون إنصاف»، ويؤكد فيها أن الحل لمواجهة التخلف هو أن يتغير الناس، ويصف السعى نحو التغيير بأنه «الجهاد الأكبر». والحل عنده؛ هو إعمال أخلاق التقدم (مثل رفض الاستثناءات، وسيادة الشفافية، وأن يسود بيننا مبدأ «لكل حسب عمله»... )، وحماية هذه الأخلاق عن طريق تطبيق القانون بصرامة، ولا بد أن يواكب هذا كله روح جديدة تَشيعُ فيها ثقافة التنمية والإنتاج وتعلو فى أجوائها مفاهيم عمل الخير الإيجابى وليس التدين الزائف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة