دق جرس التليفون بجوار فراش الرئيس جمال عبدالناصر فى الساعة الخامسة وعشر دقائق صباح يوم 28 سبتمبر 1961 ليتلقى واحدة من أكبر صدماته، حسب وصف ابنه الدكتور خالد فى حوار صحفى أجريته معه ونشرته صحيفة البيان الإماراتية.
كانت الصدمة هى قيام حركة انقلابية فى سوريا ضد الوحدة مع مصر، وذلك بعد مرور ثلاث سنوات عليها «22 فبراير 1958»، وبحسب تعبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «سنوات الغليان» فإن الحدث كان «أكبر صدمة وجهت إلى الحركة الثورية العربية منذ بدأت مسيرتها من يوم 23 يوليو 1952».
انتقل «عبدالناصر» إلى مبنى الإذاعة فى الساعة السابعة والنصف لمتابعة الموقف، وفى الساعة الثامنة استطاعت أجهزة الإذاعة مع أجهزة القوات المسلحة توصيل خط بينه وبين عبدالحكيم عامر الموجود فى دمشق، ومن خلال ذلك عرف الرئيس أسماء قادة الانقلاب، وعبر اتصالات متتابعة طوال اليوم حسب هيكل، تابع عبدالناصر الموقف وأذاع خطاباً مرتجلاً حتى يضمن أن ضباط الانقلاب يعرفون منه الموقف مباشرة، ويضيف هيكل: «كان هناك انقسام فى الجيش السورى، وعبر الانقسام عن نفسه بطريقة أوضح عندما بدأت إذاعة حلب تذيع بيانات معارضة للانقلاب، وتعلن أن قواتها ستزحف على العاصمة لتطهيرها من المتمردين، وللمحافظة على الوحدة، ثم أعلنت قيادة هذه القوات فى اللاذقية أنها تطلب مددا من الجمهورية العربية المتحدة لتقوم بواجبها المقدس».
قرر عبدالناصر الاستجابة وشرح ذلك تفصيلا فى خطابه أمام مئات الآلاف فى «ميدان الجمهورية» فى مثل هذا اليوم «29 سبتمبر 1961» ووفقا للجزء الرابع من «جمال عبدالناصر - الأوراق الخاصة» عن «مكتبة الأسرة - الهيئة العامة للكتاب - القاهرة»: «قررت أن ألبى هذا النداء، وقررت أن أساند الشعب السورى الذى ساند المبادئ وساند الوحدة، وأصدرت الأوامر بنقل لواءين مظلات إلى اللاذقية، وأصدرت الأوامر إلى القوات البحرية كلها أن تتحرك، فتحركت فى الحال، وأصدرت الأوامر بمصادرة كل سفننا واستخدامها فى نقل القوات، هذا الموقف كان أمس بعد الظهر، وبدأت القوات تتحرك، وتحرك الأسطول، وتحركت الطائرات تحمل 2000 من جنود المظلات، لكى ينزلوا فى اللاذقية».
أضاف عبدالناصر: «كان الموقف يستدعى التفكير، هل يسفك دم العربى بيد العربى؟ هل يتقاتل العربى مع العربى؟ ولمصلحة من سفك الدماء؟ ولمصلحة من نحارب بعضنا البعض وهناك الأعداء يتربصون بنا؟».
طرح عبدالناصر هذه الأسئلة كمدخل للقرار الذى توصل إليه وهو حسب نص ما جاء فى خطابه: «أصدرت الأوامر قبل منتصف الليل بقليل بالأمس، بأن تعود جميع الطائرات التى كانت متجهة إلى اللاذقية، ولكن صدر الأمر بعد أن أسقط 120 فرداً بالباراشوت فى اللاذقية، وباقى الألفين أعطيناهم أوامر بالرجوع وعدم التحرك، وكانت قوة المظلات التى تحركت بالأمس فيها مصريون وسوريون، لأنه توجد هنا كتيبة مظلات سوريين».
أضاف عبدالناصر: «أصدرت الأوامر للقوات التى نزلت قبل منتصف ليل أمس فى اللاذقية بألا تطلق طلقة واحدة، وبأن تسلم نفسها إلى قائد المنطقة البحرية هناك، وكانت القوات البحرية قد وصلت إلى مشارف اللاذقية، فماذا حدث؟ أصدرت لها الأوامر بأن تعود».
واصل عبدالناصر خطابه: «ونحن نواجه هذه اللحظات الحاسمة فى تاريخ الوطن العربى، فإنه ليس هناك وقت يدعونا إلى التمسك بعروبتنا أكثر من هذا الوقت، إننى أعرف أن فى النفوس هنا مرارة، وأن فى النفوس هنا ألم، ولكن يجب ألا نجعل الشعور بالمرارة يغلب العقل أو يغلب الحكمة، هناك من يقول: هل نحنا طلبنا وحدة، هم الذين طلبوا الوحدة، وهذا حقيقى، ولكنا أمة عربية واحدة».
«قلت لكم كثيرا إن بتتنكس المبادئ والثورات والانتفاضات وحركات التحرير، ولكن الشعوب الحية لا يمكن أن تموت، وشعوبنا شعوب حية، الشعب العربى شعب حى لا يمكن أن يموت بأى حال من الأحوال، أطلب الآن من هذه الأمة أن ترتفع على جراحها، وأن ترتفع على شعورها بالألم، وإننى لأشعر الآن بأحاسيس كلها تتجه مع الشعب العربى فى سوريا، إن الوحدة هى إرادة شعبية، ولن أرضى من جانبى أن أحول الوحدة إلى عملية عسكرية، وهذا هو السبب فى إصدار الأوامر بإلغاء العمليات العسكرية بالأمس».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة