كان يمكن أن يترك الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الحكم، مع الحفاظ على الدولة، بعد أن تعهد بعدم ترشيح نفسه، أو أيا من أفراد عائلته، وأن تجرى انتخابات رئاسية بعد شهور، وتم حل البرلمان الذى جلب المتاعب والمشاكل.. ولو حدث ذلك كانت مصر ستخرج قوية ومتعافية، ولكن سارت المخططات فى طريقها المرسوم، بإخراج أحشاء البلد وهدم مؤسسات الدولة، وتأجيج المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات، واحتلال الشوارع والميادين وحرق المنشآت العامة، وغيرها من مظاهر الخراب الذى تتابعت فصوله.
الخدعة التى كانت تقال هى «سقف المطالب»، كلما قدم «مبارك» تنازلًا قالوا له: «لا، السقف بيعلى»، وظل يعلو ويعلو حتى سقط على رؤوس الجميع، واحتل الإخوان الحكم وقرروا التهام مصر بسرعة، وإدخالها حظيرة الأخونة، وانقلبوا بسرعة على شركائهم اليساريين والليبراليين والثوريين، وبقية حلفاء «سقف المطالب»، الذين اكتشفوا بعد أن تحالفوا مع الشيطان أن مصيرهم هو الإقصاء والإبعاد، وتصفية شبابهم الميدانيين، وإلصاق الاتهام باللهو الخفى أو الطرف الثالث.
أخشى ما أخشاه هو عودة هذا اللوبى من جديد، واستغلالهم أخطاء حكومية جسيمة، لتحريض الناس وتأليبهم، واللعب فى الأحياء الشعبية والمناطق المزدحمة، استغلالًا لموجة الغلاء التى تهب على البلاد، وتثقل كاهل فئات كثيرة، وأكثر ما يثير غضبى هو الوزراء «كيه جى وان»، الذين يلوكون عبارات تتعلق بعدم المساس بمحدودى الدخل، وحماية الطبقات الفقيرة، لأن الناس الذين يذهبون إلى الأسواق لا يصدقون وزراء يجلسون فى مكاتبهم.
أؤيد بشدة إجراء إصلاحات اقتصادية تنهض بالبلاد من عثرتها، ولكن على الحكومة أن تمد يدها اليمنى، قبل أن تأخذ بيدها اليسرى، وأن تعرف أن الله لم يخلق الدنيا فى يوم وليلة، وأن الإصلاحات تحتاج التدرج والبطء والهدوء، أما أن ترتفع أسعار السلع والكهرباء وبعدها جس نبض لزيادة المترو، وضريبة القيمة المضافة وتلميحات عن البنزين والمحروقات، فهذا كثير جدًا، ويشبه زجاجة الدواء التى تسقيها للمريض مرة واحدة.
أرفض مقولة إن الرئيس يضحى بجزء من شعبيته من أجل الإصلاحات، فالإصلاحات يجب أن تزيد شعبية الرئيس أو تحافظ عليها، والجهد الذى يبذله لإعادة بناء الدولة، يجب أن يكون لصالحه وليس ضده، وأن يكون لدى الوزراء الجرأة والشجاعة للمواجهة وتحمل المسؤولية، وأن يبحثوا عن حلول وبدائل للنهضة الاقتصادية، بدلًا من إلهاب ظهور الناس بالغلاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة