"الكومبارس" لـ"ناصر عراق".. الجميع "يمثل" فى الحياة

الثلاثاء، 19 يوليو 2016 07:00 ص
"الكومبارس" لـ"ناصر عراق".. الجميع "يمثل" فى الحياة غلاف الكتاب
كتب محمد غنيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نفذت طبعتها الأولى بعد صدورها بـ 72 ساعة، ولاقت رواجا فى سوق الكتب وكأنها فيلم سينمائى فى العيد، يتنافس على مبيعات غيره من الأفلام، إنها رواية الكومبارس لـ"ناصر عراق"، رواية تقنعك بشخصياتها، السياسة فيها ممزوجة بمجريات الحياة اليومية، عنوانها خادع نوعًا ما، فالكومبارس فيها ليس الفنان المغمور عبد المؤمن السعيد بطل الرواية فحسب، بل الكومبارس هنا كامن فى كل شخصيات الرواية وأحداثها بداية من الأدوار المهمشة فى السينما والمسرح للبطل نفسه، حتى عاطف ضابط أمن الدولة الذى لعب دور الكومبارس فى حياة فاطمة، كذلك أحمد صادق الذى جسد دور الكومبارس فى حياة فاتن، أما الطفل يحيى الذى وافته المنية تحت عجلات أتوبيس المدرسة فقد كان بمثابة كومبارس برىء فى حياة أسرته.

ومن الناحية السياسية فالإخوان كحزب وجماعة كانت بمثابة كومبارس ماهر أجاد اللعب على مسرح ثورة يناير، الشخصيات فى الرواية حية رغم الاضطرابات النفسية التى يعانى منها أبطالها، أحداثها تبوح بقضايا شائكة فى النفس البشرية، ولغة الحكى بسيطة جدا وإن كانت بليغة فى بساطتها.

الرواية تمتاز ببناء معمارى متماسك وإن كان مركبا إلى حد ما، فالسيمترية (التوازن) فيها واضحة بين انسيابية الكلمات وتناسق المرادفات ورشاقة اللغة وانسجام الأحداث، وإن كانت السيمترية فى رواية الكومبارس ركن أساسى فى البناء بين الكلاسيكية والحداثة، ناصر عراق استخدم خطين من الزمن الأول بدء منذ 1966 ممتدا إلى 2011 أما الخط الثانى امتد ساعات وأيام معدودات شهدت فيها مصر التغير، الوقت فيهما يستغرق أيام فى عام 2011، فالأيام كانت على لسان فاطمة وفاتن وباسم مرزوق وجميل الشناوى فى ميدان التحرير متمسكين بخيوط ثورة يناير معلقين على بطش مبارك وذبانيته وطغيان الشرطة وانسحابها، دور المجلس العسكرى، ودور الكومبارس الذى أداه الدكتور محمد البرادعى بمهارة، ثم نعود إلى الزمان القديم حين كان عبد المؤمن يسمع تأوهات والدته فى أحضان الرجال مرورا بموتها على يد أبيه مهشما رأسها بشاكوش إسماعيل النجار أحد زبائنها فى ليلية ظلماء.

نرى عبد المؤمن السعيد، الطالب المجتهد المتفوق فى دراسته يلتحق بالمعهد العالى للسينما وعلاقته بفايزة السعدنى الذى لم يتمكن من خطبتها لقلة حيلته وضعف قوته المادية إلى أن تزوج إيمان وأنجب فاطمة وفاتن حتى فر هاربا من دود الأرض فألقته المقادير فى كفر أبو حوا، فغير اسمه إلى سلامة وشكلة إلى رجل ملتحٍ متمسك بالإسلام وإن كان شكليا حيث بلغت اللحية منتهاها فكان إماما للمسجد وتاجر مخدرات فى آن واحد.

غزل المؤلف خيوطا ومزج ألوانا لتداخل خطى الزمن فتذوب الأحداث فيما بينها ووتلاشى الفوارق ويستمر هذا التناوب بين البناء (واحد على لسان فاطمة والثانى على لسان فاتن والثالث على لسان إيمان والرابع على لسان البطل نفسه وهو متخفى من دود الأرض فى كفر أبو حوا أما الأخير فكان شبرا وهو لسان حاله عن نشأته) مزج ناصر عراق عناوين الفصول الرئيسية والفرعية بالتاريخ موضحا الحقبة الأساس للأحداث، وبين أحداث نشأة البطل حتى وصوله لدرجة ممثل مغمور، مرورا بمراحل دراسته وحال البلد تطور السينما والمسرح فكانت أحداث كثيرة تغطى امتداداً أكبر فى الزمن، أما الجزء الثانى استغرق أيام متناولا أحداث ثورة يناير حتى انتهت الرواية بنقطة لقاء الزمنين، فكانت الرواية بمثابة سرد توثيقى لثورة يناير فيها عبق ثورة يناير وعبقرية ميدان التحرير .

أما الجانب الاجتماعى فى الرواية فيكمن فى طغيان عصر مبارك الذى أكل ساس المجتمع المصرى ولا يترك له متنفسًا، فـ"عاطف" ضابط أمن الدولة ناهيك عن دوره بقتل المتظاهرين فى ثورة يناير، جبروته وسلطتة قادته لضرب زوجته وتوبيخها أكثر من مرة حتى وإن غضبت فى بيت أهلها أجبرها على الذهاب إلى منزله مكبلة اليدين فى سيارة شرطة بصحبة رجال الأمن، فكان زوج خئون متعدد العلاقات النسائية حتى فى فراش زوجته فاطمة، على النقيض تجد شهامة ومروءة باسم مرزوق أحد شباب الثورة، ونجد الثراء والثقافة والاستنارة فى شخصية جميل الشناوى على النقيض تماما أهالى كفر أبو حوا فالفقر والجهل والتدين الشكلى والسذاجة، ونجد العلاقة القوية بين الصديقات "فاطمة" و"ياسمين" وكثيرا من الأفكار الاجتماعية التى ترسم وطن الرواية وتجعله حيًا ينبض بقلوب أهله.

والجانب الأهم من الرواية يكمن فى "إنسانيتها" التى تراهن على الحب بين إيمان الأم التى تخطت عامها الخمسين وجميل الشناوى الذى أخذ الشعر الأبيض من رأسه موطنا، وكذلك حب فاتن وإخلاصها لباسم مرزوق وكذلك ياسمين التى اكشفت أنوثتها على يد صبرى وإن كانت على ذمة رجل يجهل أبجديات استخدام النساء فالحب هنا أصبح "موهبة".. و"ناصر عراق" استطاع أن يجعل القارئ سريع التعلق بشخصيات الرواية فيحب "إيمان" و"جميل الشناوى" ويعشق "فاتن" ويتعاطف مع "فاطمة" و"ياسمين". . لكنه يتوارى بعيدا إن شاهد "عبد المؤمن السعيد" ذلك الشخص السلبى المضطرب نفسيا متكئ على صورة والدته الخئون وهو يصفع سيدة ضعيفة تنعم بالدفء فى أحضانه مثل أم عبير.

الرواية عبارة عن فن تشكيلى رائع لحياة المصريين مزدان برتوش مفصلة عن المهمشين.. بريشة فنان ماهر يغوص فى دهاليز ألوان ومتلونين انقضو على لوحة متداخلة لثورة خطفها الإخوان كمخطوطة قيمة جدا لأحداث ثورة يناير.

الرواية تجبرك على حب شخصياتها جميعاً لأنها تنبض بالحياة، ولذلك تظل معهم حتى آخر سطر وربما تحن إليهم فى يوم ما وتظل "الكومبارس" لناصر عراق الأيقونة التى تنشر أريجها فى واقع الحياة فهى جديرة بالقراءة لأننا نظل نبحث عنها بين سطور الحياة كلما توارت أو اختفت بعيدا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة