القضية ليست فى التقرير وليست فى اعتذار بلير ولكن فى تخاذل العرب وتفرقهم
هل كان العرب فى حاجة إلى تقرير تشيلكوت البريطانى الذى صدر بعد سبع سنوات من البحث وبعد ثلاثة عشر عاماً من الغزو لكى يعرفوا ويتأكدوا أن بوش وتابعه بلير لشن حرب على العراق عام 2003 بعد أفغانستان، وقد زورت أسبابها عمدا، مما أدى إلى سحق دولة العراق ذات الحضارة الممتدة عبر التاريخ وقتل حوالى مليون عربى ومسلم مع مئات من الجنود البريطانيين وألوف من الجنود الأمريكان؟ هل كان العرب محتاجون إلى دليل ليتأكدوا من حجم الكذب والتدليس الذى قام به بوش وبلير بادعاء امتلاك صدام لأسلحة كيماوية لتدمير أوروبا وأمريكا والعالم كله؟ هل نحن فى حاجة لنسمع أسباباً ونحن نرى ونعيش ونعانى وندفع الثمن لتلك الجرائم غير المبررة، ليتم سحق العراق بحجة نشر الديموقراطية، فنرى البديل هو الإرهاب بدلا من الديمقراطية المزعومة، ونعيش الفوضى فى المنطقة كلها بديلا لاستقرار كان يوصف بأنه بلا ديمقراطية؟
ما نعرفه بالدليل القاطع أن بوش قد اتخذ قراراً نهائياً بغزو العراق رغم فشل أمريكا وبريطانيا فى إصدار قرار ثانى من مجلس الأمن ضد العراق، لأن المحققين الدوليين لم يجدوا أى دليل على امتلاك أسلحة دمار شامل. هل نسينا أنه فى 7-3-2003 قدم المدعى العام البريطانى جولد سميث مذكرة إلى تونى بلير تقول، إن الحرب تخالف القانون الدولى فأمر بلير وزراءه بإخفاء المذكرة؟ هل أحد ينسى ما قاله سفير بريطانيا لدى أمريكا وبعد اجتماع بوش وبلير فى تكساس حين قال «إن اتفاقهما ضد العراق ربما صيغ بالدم»، وبعد كل ذلك يأتى تقرير تشيلكوت ليقول إن بلير قد تسرع فى الغزو، وأنهما لم يعطيا فرصة للسلام قبل شن الحرب وأن الحرب غير مبررة قانوناً، وأنه لم يكن هناك دلائل مؤكدة بأن العراق يمتلك تلك الأسلحة. والأغرب أن يخرج علينا هذا البلير ليعتذر ليس عن غزو وسحق العراق ونشر الفوضى والإرهاب وقتل المليون وتهجير الملايين، ولكن يعتذر عن قتل 179 بريطانيا. فى الوقت الذى يصر بكل تبجح أن العالم بغير صدام أحسن وأهدى بوجود صدام، وكأنه بعد إعدام صدام فى الأضحى أصبح العراق والمنطقة فى سلام وأمان واستقرار.
القضية ليست فى التقرير وليست فى اعتذار بلير، ولكن هى العرب فى تخاذلهم وتفرقهم وتشتتهم وتشرذمهم وتسليم إرادتهم للآخر الذى يفعل بهم ما يريد. فسحق العراق قد تم بمباركة الكثيرين من العرب المرتبطين بأمريكا ذلك لتصفية الحسابات مع صدام لكى يدفع العراق وشعبه، بل هؤلاء المتضامنون بل كل العرب أجمعين الثمن. مع العلم أن بريطانيا هى الدولة التى أسست الظاهرة الاستعمارية ومنذ قرون. وهناك مثال على موقف العرب المتخاذل من العراق مقابل موقفهم عام 1956 فبريطانيا ذاتها وفى عام 56 ولنفس الأسباب الاستعمارية التى لا تريد الإبقاء على أى قوى تحررية واستقلالية قد أعلن أيدن رئيس وزراء بريطانيا فى البرلمان موجهاً ألفاظاً نابية لعبد الناصر، وقال: «إننا لا نثق فى عبد الناصر»، وكان هذا يعنى الإطاحة بعبد الناصر وبسرعة حتى يجد من يثق فيه ويتعامل معه. وكانت التقارير البريطانية كعادتها تقول أن الإطاحة هذه لا تستغرق سوى أسبوعين، لأن الشعب المصرى لا يؤيد عبدالناصر، ولكن ما حدث أنه فى 16 أغسطس 1956 أعلنت الأمة العربية عن وحدتها من المحيط إلى الخليج وأيدت مصر فى كفاحها والمحافظة على حقوقها فى قناة السويس. وصدم أيدن من كذب تقارير خارجيته. فهل تعرف شعوبنا العربية قبل حكامها تلك المقارنة وما نعيشه من نتائج وخيمة تمثل كل الخطر على الجميع؟ هل تقوم الأنظمة بسرعة للتحرك فى مجلس الأمن والأمم المتحدة باعتبارهما مسؤولين عن الأمن والسلم الدوليين والمطالبة بسرعة بتقديم كل المسؤولين عن غزو العراق وعلى رأسهم بوش وبلير للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم مجرمى حرب؟ فهل يمكن هذا؟ أم أن المصالح الذاتية والعلاقات القطرية هى الأهم، وليذهب العربإلى الجحيم؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة