برز اسمها إلى الإعلام أول مرة، بعد تصديها لقافلة من مرتزقة شركة (بلاك ووتر) المتعاقدة مع الجيش الامريكى والتى دخلت المدينة فى وضح النهار.فما كان من اهلها الا التصدى لهم وقتل منهم 4 حراس، الأمر الذى أدى إلى ردة فعل انتقامية من قبل قوات الاحتلال حاولت اقتحام المدينة ولكن المقاومة العراقية آنذاك، تصدت لهم، واستصرخ أهلها بقية أبناء العراق للدفاع عنها، فهب لنجدة المدينة عراقيون من صلاح الدين وبغداد والموصل والنجف والبصرة واستشهد العدد الكثير من المرابطين من بينهم عدد من الشيعة التابعين لزعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر. ورغم استعمال قوات الاحتلال قنابل الفوسفور المحرمة وتدمير جزء كبير من الفلوجة، إلا أنها لم تستطع اقتحام المدينة وبقيت محاصرة من عام 2004 إلى آواخر 2007.
القاعدة على الخط
بسبب حالة الاضطراب التى عاناها العراق بعد الاحتلال الأمريكى، هاجر الكثير من أتباع تنظيم القاعدة المتشدد إلى المدينة وعلى رأسهم أبو مصعب الزرقاوى الأردنى الجنسية، وكان هنالك سجال بين المقاومة الوطنية المكونة من أبناء المدينة والقادمين من خارجها وبين أبو مصعب الزرقاوى والمتشددين معه، حيث كان الأخير يشدد على مقاتلة الشيعة فى بياناته وأفعاله بينما كانت المقاومة ترفض بشدة استهداف أبناء الشعب العراقى من الشيعة، الأمر الذى أدى إلى خلافات كبيرة أدت إلى سيطرة تنظيم القاعدة على زمام الأمور فى المدينة ومحافظة الأنبار عموما، وقد استهدفت القاعدة عددا كبيرا من رجال المقاومة المعارضين للتنظيم الذى بات يطلق على اسمه تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وفى إحدى العمليات للتنظيم استهدف الأخير دورية صغيرة لجيش الاحتلال كانت تتجول فى أطراف المدينة داخل سوق مزدحم بالناس وفجروا صهريجا يحمل أطنانا من المواد المتفجرة بينها غاز الـ (سى فور)، أدى إلى مقتل أربعة جنود واختناق أكثر من 300 مواطن من أهل الفلوجة، هذه الأفعال وغيرها أدت إلى انتفاض الأهالى عليهم وتم دحر التنظيم فى المدينة ومحافظة الأنبار كاملة.
الانتفاضة السلمية
بقيت المدينة، ورغم مساهمة أهلها فى تحريرها من قبضة القاعدة، تعانى من ظلم الحكومة التى كان يرأسها نورى المالكى وتعرض عدد من أبنائها إلى الاعتقال لسنوات طويلة. وبعد خروج القوات الأمريكية فى العراق، كان للمالكى دور فى تأزيم الوضع السياسى واختلاق المشكلات مع زعماء سياسيين سنة. فانطلقت الشرارة بعد اعتقال عدد من أفراد حماية نائب رئيس الوزراء السابق رافع العيساوى من أبناء المدينة. خرجت المدينة فى تظاهرة سلمية ما لبثت أن تحولت إلى اعتصام مفتوح فى كافة مدن الأنبار لتنتشر الاعتصامات فى صلاح الدين والموصل. ونظرا لضيق أفق نورى المالكى زعيم حزب الدعوة واستئثاره فى السلطة عمد إلى تجاهل مطالب المتظاهرين باستثناء إطلاق سراح 3000 شخص من أصل أكثر من عشرة آلاف معتقل دون أوامر قضائية.
داعش على الخط
بعد تأسيس تنظيم داعش حاول الأخير استغلال الأزمة والدخول إلى المدينة، إلا أن أهل المدينة الذين ذاقوا الأمرين من التنظيمات المتطرفة التى سبقته، رفضت دخوله على الخط أو حتى السماح له بالتغلغل. لكن الأمر لم يدم طويلا فمع عبور التنظيم الأراضى السورية وتحديدا وادى حوران، توجهت قوات من الجيش العراقى إلى الوادى الواقع فى عمق محافظة الأنبار وقد تم توجيه ضربات استباقية للتنظيم فلم ينصر أهل المدينة التنظيم واعتبروا وجوده على الأراضى العراقية غير مرغوب به، إلا أن رئيس الوزراء السابق نورى المالكى أمر قواته بضرب الاعتصام فى محافظة الأنبار وإحراق خيم المعتصمين، مما أدى لقتل عدد منهم فضلا عن ذلك قامت قوات خاصة باقتحام منزل النائب فى البرلمان عن محافظة الأنبار أحمد العلوانى، أحد المحرضين على التظاهر، ما أدى إلى مقتل شقيقه وعدد من أفراد حمايته واعتقاله. كل هذه الأحداث ادت إلى نشوب نزاع مسلح بين العشائر من أبناء المحافظة وبين الجيش والشرطة ما لبث أن تحول إلى انتفاضة انسحبت على إثرها القوات الأمنية تاركة المدينة عرضة لدخول داعش. أما الأخير فوجد فى خطأ المالكى القاتل فرصة للانقضاض على المدينة، وهذا ما حدث فبعد أيام من سيطرة أبناء العشائر على المحافظة دخل تنظيم القاعدة إلى المدينة وسيطر عليها بشكل كامل وطارد عدد من قيادات الاعتصام التى حاربته سابقا عندما كان اسمه تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، وهكذا بقيت المدينة وأبناؤها رهينة بيد المتطرفين الذين منعوا على أى شخص من خارج التنظيم حمل السلاح وخلافه تكون عقوبته الموت.
تحرير الفلوجة إنقاذ المدينة أم إنقاذ السياسة
لم يكن النظام الحاكم فى بغداد ليهتم بأمر الفلوجة لولا الاحتجاجات الكبيرة التى خرجت فى العراق ضد فساد الطبقة الحاكمة التى ضيعت أكثر من 800 مليار دولار، هى ميزانيات العراق منذ 2003 إلى 2014 ومع إصرار السياسيين على عدم الأذعان لصوت الشعب من خلال تغيير الحكومة ومحاسبة المفسدين، قامت جموع المتظاهرين باقتحام المنطقة الخضراء، "الحصن الحصين" للحكومة والسفارات الأجنبية، وتم اقتحام مجلس النواب لمدة يوم كامل. وفى الأسبوع التالى، استطاعت الجموع من الوصول إلى مقر الحكومة العراقية واقتحامه ما تسبب بصدامات مع قوات الأمن، أدت إلى استشهاد عدد من المتظاهرين وجرح العشرات.
ولولا الحيلة الجهنمية لحزب الدعوة وقيادته لكانت المنطقة الخضراء فى خبر كان حيث بدأ الشارع العراقى يغلى بعد تسرب فيديوهات للقوات الأمنية، وهى تصفى المتظاهرين وكان الموعد فى نهاية الأسبوع اللاحق لاقتحام الخضراء من جديد مع عواقب لا تحمد ووعيد من قبل المتظاهرين ضد السياسيين. لكن (حيدر العبادى) استبق الأحداث رئيس الوزراء وأعلن فى منتصف الأسبوع عن بدا عمليه (تحرير الفلوجة) وحشد الجيش والحشد الشعبى على تخوم المدينة بدعوى تخليصها من قبضة داعش. وهكذا نجحت الخطة بإنقاذ العملية السياسية من الانهيار، وباتت وسائل الإعلام التابعة للطبقة الحاكمة تنعت الداعين إلى التظاهر بـ (المندسين).
الانتقام الممنهج
لاشك فى أن ميليشات حزب الدعوة والأحزاب التى سببت فى سقوط اكثر من ثلث مساحة العراق بيد داعش استفادت من هزيمة الجيش العراقى لتشكل الحشد الشعبى الذى زج بأبناء الجنوب فى اتون حرب طاحنة تبعد مئات الكيلومترات عن مدنهم ومن اجل ماذا؟ من اجل أن يربح السياسيون السنة والشيعة جولة جديدة.فمن جهة تمكن السياسيون الشيعة من حشد المواطنين من ابناء الجنوب والوسط بدعوى الجهاد ضد داعش وتحرير الأراضى العراقية بالمقابل لم يدافع السياسيون السنة عن مدنهم وعولوا فى الأمر على الجيش العراقى فى تحرير المدينة.
لقد وجد نورى المالكى فى فتوى السيد على السيستانى فى الجهاد ضد داعش فرصة لتشكيل الحشد الشعبى الفرصة الاكبر فى العودة إلى حكم العراق من الباب الخلفى بعد أن تسبب فى هزيمة الجيش العراقى وتسبب بمقتل الالوف من المتطوعين الذين انخرطوا فى تشكيلاتها وعودة بعض المناطق المحررة من داعش. من جهته شكل زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر سرايا اطلق عليها (سرايا السلام) وهى التى كانت تقاوم الاحتلال الأمريكى فى بغداد ووسط وجنوب العراق، لكن الصدر لم يضم سراياه ضمن تشكيلات الحشد الشعبى وإنما جعلها مستقلة القرار والارتباط، عكس بعض التشكيلات التى تتبع لإيران أو لأحزاب سياسية.
البقاء والاستمكان
إن تحرير الفلوجة من قبضة داعش دون مقاومة ملموسة يبين مدى هشاشة هذا التنظيم، الذى اعتمد على حشد الأحقاد لدى الناس من خلال إعلامه واعتمد على أهالى المدينة كدروع بشرية، ومن جهة أخرى يبين للعالم أجمع أن لا حضانة لداعش فى المدينة، ولا إيمان بفكره الضال.
إن انسحاب أو انهزام داعش من الفلوجة جاء ممنهجا تحت ضربات للجيش العراقى، إلا أن هذا الانهزام أو الانسحاب لن يكون طويلا دون معرفة جوانب الخلل التى يستخدمها التنظيم فى حركته، وعلى رأسها سياسة الحكومة التى يقودها حزب الدعوة ضد أهالى المدينة وعدم إعطاء أهل الفلوجة صلاحية المحافظة والدفاع عن مدينتهم من خلال تشكيل لواء للجيش العراقى من أهل المدينة وعدم إدخال فصائل الحشد الشعبى واستمكانهم فيها كى لا تكون هنالك حساسيات بينهم وبين المواطنين قد تستخدمها داعش للعودة وتجنيد السكان. وأخيرا يجب الفورية بإعادة إعمار المدينة المهدمة وإرجاع النازحين إليها وتعويض المتضررين لما له من أثر كبير فى بسط الأمن والسلام فى مدينة المآذن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة