نحتاج جرعة تفاؤل، حتى لو كانت الأزمات صعبة، لأنها تنفرج وتجد طريقها للحل، ولسنا البلد الذى تصوره بعض وسائل الإعلام مستنقعا للفساد واليأس والضياع، بينما صناع الإحباط ينعمون بالخير والاستقرار، الذى وفرته أجواء الإصلاح السياسى والاقتصادى والديمقراطى بعد 30 يونيو.. كلمة حق تحتاجها البلاد، وهى تتحسس الطريق إلى المستقبل، وأن يهدأ قليلا اللوبى الذى يسيطر على جزء كبير من الإعلام، ويتباكى ليل نهار على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم أكثر من ينعمون بالحرية والديمقراطية، حتى لو بلغت تجاوزاتهم سقف الخروقات القانونية والأخلاقية، ولكن التسامح السياسى ما زال يحتوى هذه التجاوزات.
الغريب أيضاً أن الأثرياء ورجال الأعمال، الذين يمسكون بتلابيب الثروة فى مصر وينعمون بها، هم الأكثر شكاية من سوء الأوضاع، ويذرفون دموع التماسيح، ويولولون خوفاً على المستقبل، بينما الناس البسطاء يتعايشون فى الشوارع والمقاهى والأسواق، ويرفعون أيديهم باللعنات على من يستغلون أوجاعهم، ويتسببون فى الغلاء والجشع والاستغلال والمعاناة اليومية، فهذا البلد ظل خمس سنوات لا يعمل ولا ينتج، وأغلقت المصانع وهربت الاستثمارات، ولكنه ينهض من كبوته بسرعة، ويسابق الزمن للعودة إلى التنمية والإنتاج.
أغنياء هذا الوطن لم يقدموا ما ينبغى عليهم أن يقدموه، ولم يساهموا ولو بقدر يسير مما اغترفوه فى أوقات الرخاء، ويجب أن يؤمنوا بأن عصر الهبش والغرف قد ولى، وأن الدولة حريصة على استرداد حقوقها، وما تفعله لجنة استرداد الأراضى، برئاسة المهندس إبراهيم محلب، هو الخطوة الأولى وسوف تليها خطوات، لاسترداد حق المجتمع بالعدل والقانون، من الذين سمسروا فى الأراضى وكسبوا من ورائها مليارات، دون تعب أو مجهود غير أنهم كانوا من أصحاب الحظوة.
سؤال لصناع الإحباط: هل تستطيع الدولة المنهارة اقتصادياً- كما يزعمون- أن توفر آلاف الشقق لسكان العشوائيات، الذين يعيشون فى أماكن أقرب لحظائر الماشية، وهو ما عجزت عنه الولايات المتحدة، أغنى دولة فى العالم فى حوادث الأعاصير المتكررة، صحيح أن أزمة العشوائيات كبيرة وضخمة، ولكن الدولة القادرة قررت أن تغلق هذا الملف الأسود فى غضون عامين، وهو إنجاز غير مسبوق فى تاريخ مصر.
جرعة تفاؤل لأن الشعوب المحبطة لا تجيد صناعة الحاضر، وإنما تحشر نفسها فى كهوف الماضى، والشعوب لا تذهب إلى المستقبل بالعودة إلى الوراء، والانشغال فى معارك وصراعات الطامعين فى جزء من كعكة السلطة، والمشكلة الكبرى التى تواجه هذا البلد هى تصفية الحسابات لحساب الماضى، وكل فصيل لا يرى الأشياء إلا من نظارته السوداء، نظارة التشاؤم التى يصبغون بها الحياة، على حساب الإصلاحات الكبيرة التى شهدتها مصر فى العامين الأخيرين.
مصر لا تمتلك أنهارًا من البترول ولا جبالاً من الذهب، وثروتها الحقيقية فى عزيمة شعبها وإرادته وقدرته على الصبر وتحدى الصعاب، وصناع الإحباط هم أول من يعلم أن الأوضاع ليست بهذه الدرجة من السوء التى يروجون لها، ويعلمون أيضاً أن الأزمات فى طريقها إلى الانفراج، وبشىء من الصبر والأمل والتفاؤل، يمكن أن تواصل البلاد طريقها إلى المستقبل، الذى يحفظ فرص الحياة الكريمة، ولكن لن يكون الطريق ممهداً، بينما يفرشه اليائسون والمهيجون بالأشواك والأكاذيب والافتراءات، والتبشير بالفوضى والخراب والعصيان.
الدولة القوية هى التى تحترم مؤسساتها وتدعم وجودها، وتطلق يدها لتحقيق العدالة والمساواة والاستقرار، ومن الخطورة أن يتفرج البعض على ما يحدث الآن، من محاولات ضرب الثقة فى أجهزة الدولة ومؤسساتها، لأن الثمن سيكون فادحاً على الجميع، فالثقة هى التى تشع روح الطمأنينة والشعور بالعدالة، وإذا شعر شعب بالعدالة، فسوف يقبل على الحياة بمنتهى العزم والإصرار، وليس فى نفسه حقد يجعله يعيش فى بلد لا يحبه، ولم يكن المصريون فى أى يوم من الأيام من ذلك الصنف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة