وطالما أكدت مؤسسات التصنيف الائتمانى ومنها "موديز"، أن مستوى الدين الخارجى فى مصر لا يزال منخفضا (حوالى 16% فقط من إجمالى الناتج المحلى)، وفى الحدود الآمنة، وهو عامل يدعم تصنيف البلاد الائتمانى.
وتلقت مصر فى ديسمبر الماضى 500 مليون دولار من بنك التنمية الإفريقى، تمثل الشريحة الأولى من قرض بإجمالى 1.5 مليار دولار لدعم الموازنة على مدار 3 سنوات، كما حصل البنك المركزى المصرى على تمويل بقيمة مليار دولار من البنك الصينى للتنمية فى فبراير الماضى.
وتلقى المركزى أيضا ودائع من بنوك محلية مصرية بقيمة 2 مليار دولار لسداد تغطية التسهيلات المؤقتة، وذلك ضمن مساعى المركزى لتلبية احتياجات المستوردين فى ظل أزمة شح العملة الصعبة.
وأشارت بيانات البنك المركزى، إلى أن ديون مصر لدول نادى باريس زادت 17.3% فى الربع الثالث من السنة المالية 2015-2016، لتسجل 3.553 مليار دولار فى نهاية مارس، مقارنة مع 3.030 مليار دولار قبل عام.
وذكر البنك المركزى فى تقريره أن أعباء خدمة الدين الخارجى بلغت حوالى 1.08 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالى 2015-2016، مقارنة بنحو 1.05 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق.
ووصلت الديون لصالح مؤسسات التمويل الدولية والإقليمية نحو 13.8 مليار دولار، إضافة إلى ديون تم إصدارها عبر السندات والصكوك وتبلغ 3.5 مليار دولار، ونحو 14.9 مليار دولار ودائع طويلة الأجل لدول أجنبية، وفقا لبيانات المركزى.
وحذر خبراء الاقتصاد من التوسع فى الاقتراض الخارجى لأغراض استهلاكية أو دعم الموازنة، مطالبين بأن يقتصر الدين الخارجى على توفير التمويل المطلوب لسد الفجوة التمويلية بهدف تنفيذ مشروعات تنموية ومشروعات البنية التحتية مثل محطات الكهرباء ومترو الأنفاق ومحطات المياه والصرف الصحى وغيرها.
وتحصل مصر على قروض ميسرة من مؤسسات التمويل الدولية والعربية بفائدة لا تتعدى 2%، وهو معدل يرى الخبراء أنه "معقول نسبيا" فى ضوء التصنيف الائتمانى لمصر والذى حددته مؤسسة ستاندرد آند بورز عن –B.
وفى هذا الصدد، أكد الدكتور مدحت نافع أستاذ التمويل، أن تضخم الدين الخارجى أو حجمه لا يثير مخاوفه، إنما وتيرة معدل نمو هذا الدين، وغياب الرؤية حول البدائل المطروحة لسداد تلك الالتزامات سواء من خلال الاستثمارات أو من خلال قروض أخرى، هو ما يدعو للقلق.
وردا على تصنيف الدين الخارجى بأنه لا يزال فى حدود آمنة مقارنة بنسبته إلى إجمالى الدين العام، قال نافع فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، إن الحدود الآمنة مصطلح فضفاض، ولكنها ببساطة الحدود الذى تستطيع معه الدول الوفاء بالتزاماتها ودعم تحميل الأجيال القادمة أعباء إضافية.
وتابع قائلا: "الكارثة فى مصر أن الدولة تقترض لأنها تستطيع الاقتراض وليس لأنها تستطيع الوفاء بديونها".
ونوه نافع إلى أن مصر تواجه صعوبات فى الاقتراض من الخارج نظرا لانخفاض التصنيف الائتمانى فى البلاد، والذى يقع فى المنطقة B، وهو ما يرفع تكلفة الاقتراض نتيجة زيادة الفوائد على الديون، مضيفا أن تراجع أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى يثير التساؤلات حول مدى قدرة الدولة على الالتزام بسداد أقساط وفوائد ديونها الخارجية وفقا للآجال المحددة.
وتراجعت أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى المركزى المصرى من 36 مليار دولار إبان ثورة يناير 2011، لتصل إلى 17 مليار دولار بنهاية أبريل الماضى، وهو ما يكفى فقط لتوفير واردات مصر الاستراتيجية لمدة 3 شهور.
على الجانب الآخر، يرى بنك "بلتون" للاستثمار، فى ورقة بحثية، أنه من الواضح أن البنك المركزى لديه خطة بديلة إذا لم تساعد تدفقات المحافظ الاستثمارية فى زيادة الاحتياطى النقدى، خاصة من الودائع التى تعهدت بها الإمارات والمساعدات الأخرى المحتملة من السعودية، والتى سيكون من شأنها مساعدة البنك المركزى على الصمود فى يوليو 2016 - موعد استحقاق الوديعة القطرية ودفعة نادى باريس بقيمة 1.7 مليار دولار.
وتفاقمت أزمة نقص الدولار بعد حادث انفجار الطائرة الروسية فى شرم الشيخ نهاية أكتوبر الماضى، وهو ما أدى إلى حرمان البلاد من إيرادات السياحة التى تدر النصيب الأكبر من عوائد مصر بالعملة الصعبة، كما تراجعت إيرادات قناة السويس منذ أغسطس الماضى، نتيجة تباطؤ حركة التجارة العالمية، ويضاف إلى ذلك زيادة الواردات المصرية على حساب الصادرات، وتراجع حوالات المصريين العاملين بالخارج.
ونوه أستاذ التمويل إلى أن آليات الاستعاضة عن الاقتراض والتى وردت فى الخطط الحكومية المقترحة وإستراتيجية 2030 لا تنفذ بالمعدل المطلوب خاصة ما يتعلق بآليات زيادة الاستثمارات والمشروعات القائمة على الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمعروفة بالـPPP.
وحول القروض التى حصلت عليها مصر لدعم الموازنة أو توفير العملة الصعبة لتغطية التسهيلات خلال الفترة الماضية، أكد نافع أنها كانت بمثابة "أمر واقع" للخروج من الأزمة، مشيرا إلى أنه ليس لديه تحفظ على الاقتراض من البنوك متعددة الأطراف أو المؤسسات الدولية التى تتمتع مصر بعضويتها وساهمت فى تأسيسها، لكن المشكلة تكمن فى عدم دراسة البدائل وإدارة المخاطر قبل وقوع الأزمات.
وأشاد نافع بأداء وزيرة التعاون الدولى التى وصفها بالوزيرة "النشيطة"، لأنها تنفذ المطلوب منها لسداد الفجوة التمويلية، مطالبا المجموعة الاقتصادية بأن تعمل بشكل أكثر تناغما لتنويع الإيرادات وجذب استثمارات أجنبية مباشرة ووضع رؤية لضمان سداد تلك القروض.
التهديد الحقيقى من وجهة نظر أستاذ التمويل لا يأتى من القروض طويلة الأجل التى تتلقاها مصر لتمويل مشروعات بنية أساسية أو مشروع الدعم النقدى "تكافل وكرامة" الممول من البنك الدولى على سبيل المثال، وإنما يكمن فى القروض قصيرة الأجل والتى تستهدف دعم الموازنة أو توفير العملة الصعبة لطلبات الاستيراد.
موضوعات متعلقة:
البنك المركزى: ارتفاع ديون مصر الخارجية لـ53.4 مليار دولار
"موديز": مستوى الدين الخارجى لمصر يدعم تصنيفها الائتمانى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة