الحمد لله الذى قبض روح شوقى، أمير الشعراء، قبل زماننا بزمان، لأنه لو عاش الآن لكان ربما السجين رقم واحد فى سجن العقرب، فهو الذى كتب شعرًا فى الخمر يقول فيه «رمضان ولى هاتها يا ساقى.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق».
والحمد لله الذى قبض روح الزعيم خالد الذكر مصطفى كامل قبل زماننا بزمان، وإلا كان- غالبًا- نزيل الزنزانة رقم عشرة فى سجن طرة، لأنه نشر فى صحيفته «اللواء» قصيدة أيضًا لشوقى الذى ربما كان سيقاسمه نفس الزنزانة فى تهمة جديدة، حين كتب عام 1902 قصيدة يصف فيها حريق ميت غمر الذى كان حريقًا هائلًا ومصيبة كبرى على الوطن، فكتب شوقى ونشر مصطفى كامل الأبيات التالية «أو أنه ابتُلى الخليل بمثلها.. أستغفر الرحمن ولى مدبرا»، وحين مات مصطفى كامل رثاه شوقى قائلًا: «أو كان للذكر الحكيم بقية.. لم تأت بعد رُثيت فى القرآن».. فالحمد لله الذى قبض روحه قبل زماننا بزمان، وإلا كان تم القبض عليه فى جنازة مصطفى كامل وهو يسير بين المشيعين بتهمة ازدراء الدين والقرآن، والحض على الرذيلة وربما تهم أخرى.
والحمد لله الذى أمات أبومحجن الثقفى فى زمن الفاروق عمر بن الخطاب، وجعل سعد بن أبى وقاص قائده، ولم يعش فى زماننا، وإلا كانت جيوش المسلمين أمام الفرس فقدت بطولات سطرها الثقفى الذى كان شاعرًا وفارسًا، وكان مبتلى بحب الخمر، فكتب فيها شعرًا يوصى به ابنه فيقول «إذا مت فادفنى إلى جنب كرمة.. تروى عظامى بعد موتى عروقها.. ولا تدفنى فى الفلاة فإننى.. أخاف إذا مت ألا أذوقها»، وعجبًا أن الفاروق عمر بن الخطاب أشد الخلفاء شكيمة من بين صحابة رسول الله لم يسجنه، ولم يقم عليه الحد، بل خرج مع جيوش المسلمين فى معركة القادسية، وكانت له فيها صولات وجولات شجاعة واستبسال وتلك حكاية أخرى، ولكن لو عاش أبومحجن الثقفى فى زماننا ربما كان لحق به مصطفى كامل، وأمير الشعراء، وأكلوا وشربوا من «قروانة» واحدة فى أحد السجون التى تعرفها مصر.
الحمد لله الذى الذى أنهى حياة شاعر مثل عمر بن أبى ربيعة فى زمن حكم خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبدالعزيز، فهو من كتب فى شعر الغزل يقول «وياليت سلمى فى القبور ضجيعتى.. هنالك أو فى جنة أو جهنم».
والأمر نفسه ينطبق على الكثير بن عزة، أحد فطاحل شعراء عصره، الذى كتب فى حب عزة يقول «رهبان مدين والذين عهدتهم.. يبكون من حذر العذاب قعودا.. لو يسمعون كما سمعت حديثها.. خروا لعزة ركعًا وسجودا»، أما الأخطل، وهو من هو من الشعر العربى، فربما لو عاش زماننا لكان رافق الكثير بن عزة، وزميله عمر بن أبى ربيعة فى زنزانة واحدة، لأنه القائل «ولست بصائم رمضان عمرى.. ولست بآكل لحم الأضاحى.. ولست بقائم كالعبد يدعو.. قبيل الصبح حى على الفلاح.. ولكنى سأشربها شمولا.. وأسجد عند منبلج الصباح».
فالحمد لله الذى أحيا هؤلاء وغيرهم فى زمن عمر بن عبدالعزيز، الخليفة الراشد الذى لم يسجنهم، ولم يخرج عليهم أحد بتهمة الكفر والازدراء ويحرق شعرهم.
الحمد لله الذى جعل كامل الشناوى يعيش فى زمن غير زماننا، فيغنى له العندليب «قدر أحمق الخطى سحقت هامتى خطاه»، ورغم اعتراض الأزهر آنذاك، فإنهما لم تجمعهما زنزانة واحدة، ولم يذهبا لمحكمة لتحكم عليهما بازدراء الدين، والتطاول على المعتقد.
ثم الحمد لله الذى لا يُحمد على مكروه سواه أننا نعيش فى هذا الزمن الذى لا يجلس على كرسى الحكم صحابة الرسول، ولا تسود بين العامة أخلاق الأولين، ولا نسمع أغنية تسر أسماعنا أو نرى شيئًا يسر أبصارنا، ولا يوجد فرسان ينصرون الإسلام، بل مسلمون يوصمون الدين بكل صفة منفرة، ورغم هذا والحمد لله لم يبقَ لنا إلا تهمة ازدراء الدين كمان وكمان وكمان، لندافع بها- حكومة ومجتمعًا- عن الإسلام.. الحمد لله.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة