الأمر لا يقف عند حد التخريب الاقتصادى بل يمتد إلى محاولات استرجاع الفوضى
إعادة بناء المنظومة الأخلاقية هو التحدى الأصعب الذى يواجه الدولة المصرية، الأخلاق التى انهارت إلى الدرك الأسفل، وطفحت على السطح ملوثات أخطر من المجارى، فلا وطنية ولا دين ولا ضمير، ونكران وجحود وغل وحقد وشماتة، وبشر يتحركون على الأرض كالذئاب، ينهشون بلا عقل ولا ضمير، ولا يلهثون إلا وراء مصالحهم الأنانية، حتى لو كانت عن طريق التآمر والخيانة والسعى لخراب البلاد، ولا يعنيهم أن بلدهم يواجه ظروفا هى الأصعب فى تاريخه، ويواجه مخططات شديدة الخطورة فى الداخل والخارج، مخاطر حقيقية وليست من قبيل «الفزاعات» القديمة، التى تستهدف تخويف الناس، من عفريت لا وجود له.
العبث فى سعر صرف الدولار نموذج حى للمؤامرات القذرة، وبين يوم وليلة يصعد سعره لأعلى فى جنون، مثل قطار السيرك، دون أن تكون هناك مبررات لذلك، واعتقادى أنه لا توجد دولة فى العالم، يحدث فيها مثل هذا الأمر، وتترك مصير عملتها الوطنية بين براثن شركات الصرافة، بما يعنى أن جنون الدولار لا يعكس حقيقة وضع الاقتصاد المصرى، وإنما هو رهن لألاعيب تستهدف إشعال حرائق فى الأسعار، وتفجير غضب عارم فى صفوف صغار التجار والبائعين، الذين يصرخون من وقف الحال والإفلاس، بسبب عجزهم عن الحصول على السلع المستوردة إلا بأسعار كبيرة تخلق غضبا أكبر لدى المواطن الغلبان، الذى يكتوى فى صمت، ويصبر خوفا على بلده من الفوضى والخراب.. وتقوى شوكة المتلاعبين بسبب الأيدى المرتعشة للسلطات المسؤولة، وعلى رأسها محافظ البنك المركزى، الذى يتفرج على النزيف الحاد للعملة الوطنية، ويتباطأ فى مواجهة مكاتب الصرافة التى يسيطر عليها الإخوان وفلولهم.
الأمر لا يقف عند حد التخريب الاقتصادى، بل يمتد إلى محاولات استرجاع الفوضى، وتشتد دعوات التسخين والتهييج والتحريض لتحويل 25 إبريل، من احتفالية بتحرير سيناء إلى بكائيات على الجزيرتين، رغم أن رئيس الدولة أعلن احترامه للقرار الذى سيتخذه مجلس النواب فى هذا الشأن، ومن غرائب الأمور أن أشد أعداء السادات ومبارك، الذين أذاقوهما المر والإهانة والتشويه، هم الذين يتغنون بهما الآن، ليس حبا فيهما ولكن لتصفية الحسابات مع نظام حكم السيسى، فمنذ متى كان السادات ملهما ومرشدا للشيوعيين واليساريين والناصريين، ومنذ متى يبكى الإخوان و6 إبريل والثوريون على أيام مبارك وهم الذين يطيقون العمى ولا يطيقونه.
نحن الآن نعيش أزهى عصور الانحطاط الأخلاقى، الذى جعل السياسة تعاسة، والوطنية سلعة، وملأ قلوب «بعض» أبناء الوطن كراهية تفوق أشد أعداء الوطن، ودفع بعض سماسرة النضال ليحرضوا الرئيس الفرنسى حتى لا يساعد بلدهم، وأمدوا الصحف الإيطالية بمعلومات كاذبة أوقعت البلاد فى مأزق كبير، وهم الذين جاء وزير الخارحية الأمريكى إلى القاهرة من أجلهم، طالبا التدليس على تمويلات الخراب، التى أرسلوها لنشطائهم، وهم الذين يخططون الآن لتعكير صفو ذكرى تحرير سيناء.
«أبدا لن تسقط مصر» إنها العبارة الخالدة التى تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى، لرجل مصرى طاعن فى السن، يرتدى جلبابا أبيض مثل قلبه، ويمشى فى شوارع القاهرة حزينا مهموما شاردا وصامتا، يتوكأ على عكاز يحميه من السقوط، وعلى صدره يافطة كبيرة علقها بشريط فى رقبته، ومكتوب عليها بالخط العريض «أبدا لن تسقط مصر»، الصورة تفجر الصخر فى القلوب، الصخر الذى يريد البعض استرجاعه للضرب والفوضى والحرق والتكسير، ليقتلوا حلم الرحل العجوز، الذى يريد أن يلقى ربه، وهو مطمئن على وطنه.. مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة