كيف تنفق الدولة الملايين سنويًا على إصلاحات، وإعادة رصف، ولا يزال الدائرى كما هو بعيوبه المعهودة؟.. فواصل سيئة للغاية، ورصيف غير ممهد على الإطلاق، يحتوى على مطبات هوائية وحُفر فى أماكن مختلفة تهدد بعشرات الحوادث يوميًا.
أقص لكم باعتبارى مواطنًا يستخدم الطريق الدائرى يوميًا، وتحديدًا من ميدان الرماية حتى ميدان لبنان.. بدأ العمل فيه قبل عام ونصف العام، واستمر 5 أشهر متتالية على الجانبين، وأعيد تمهيد الطريق بأكمله وتجديد الفواصل وتحديد المسارات ورسم الحارات، ولكن قبل مرور 3 أشهر من انتهاء العمل، ظهرت العيوب مجددًا كما هى، نفس المطبات، نفس الحُفر، نفس الفواصل، واليوم تعود شركة جديدة لتبدأ العمل مرة أخرى على الطريق فى محاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
واقعة أخرى.. باعتبارى ابن محافظة كفر الشيخ وأعمل بالقاهرة، فأنا دائم السير على طريق مصر الإسكندرية الزراعى، وقبل 8 سنوات تقرر إنشاء كوبرى بمنطقة بركة السبع، وهو كوبرى سيسهل من التنقل، ويقلل الازدحام، ويخدم عشرات الآلاف من المواطنين، وجرى العمل على إعداد الكوبرى عامين متتالين، وتم افتتاحه فعليًا، إلا أنه قبل 6 أشهر من الآن فوجئنا بخبر هبوط فى كوبرى بركة السبع، ووقوع أحد أجزائه رغم أن العمر الافتراضى للمشروع يصل إلى 15 عامًا.
الواقعتان بتفاصيلهما تضعنا أمام حقيقة، هى أن «فسادًا على الطريق»، وإن أردنا فعلًا مواجهته ينبغى أن نجيب عن أسئلة حتمية، أولها: من الشركة التى نفذت الأعمال الأولية؟، وما مدى مطابقة تلك الأعمال للشروط الهندسية الواجبة؟، ومن الاستشارى الذى وافق على تسلّم الطريق رغم عدم مطابقته للمواصفات؟، ومن المسؤول الذى وقّع على اعتماد صرف المستحقات المالية للشركة المنفذة والاستشارى المشرف؟
الإجابات عن الأسئلة الأربعة تضعنا أمام حقائق أخرى عن منظومة فاسدة تتكسب مئات الملايين بالباطل من وراء مشروعات رصف وإصلاحات الطرق والكبارى، منظومة تضم عشرات الشركات التى تفوز بمناقصات بالملايين، ثم تمنح مقاولين من الباطن أعمال التنفيذ مقابل مبلغ أقل، فيقوم المقاولون بترك الأمر لعدد محدود من المهندسين بمبلغ أقل من القليل، فيخرج الطريق أو الكوبرى بأخطاء فنية فادحة.
دائمًا أسمع عن شركات عملاقة تتولى إعداد طريق أو كوبرى، ولكن أفاجأ عندما أجد أن عاملًا أو مهندسًا صغيرًا هو من ينفذ المشروع بأكمله، وهنا أعرف من أين يأتى الخلل، أعرف لماذا تتآكل سمعة شركات المقاولات المصرية، لأنها لا تنظر كيف سيطابق المشروع المواصفات الهندسية، بقدر ما تنظر لفائض الربح من وراء المشروع.. فكر فى السؤال: لماذا كل الطرق التى تمهدها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كطريق الكريمات والسخة، تبهرنا جميعًا مقارنة بطرق أخرى تنفذها شركات مقاولات كبرى؟.. الفساد يا عزيزى.. منور الطريق.
القارئ العزيز، يؤسفنى أن أخبر حضرتك بأن هذا المقال يعود لشهر ديسمبر 2014 أى قبل 15 شهرًا، ولكن نفس القضية الأساسية المتمثلة فى مشاكل الطريق الدائرى كما هى، نفس العيب الهندسى يتجدد، فى نفس المكان، بنفس الأسلوب، وبدأت قبل أسبوع شركة مقاولات جديدة العمل على رصف الطريق، وإعادة تهيئته وضبط المطبات الصناعية، وسيتم تسليم الطريق فى غضون أيام، دون أن أعلم أنا وأنت من أخطأ فى تنفيذ الطريق فى المرحلة الأولى أو المرحلة الثانية، بل ومن يضمن لنا أن الطريق لن تظهر العيوب الفنية الهندسية به فى المرحلة الثالثة، وللعلم أيضًا ما جرى فى بركة السبع تكرر فى كوبرى محافظة سوهاج.. الخطر هنا يكمن فى الشركة التى تنفذ، والمسؤول الذى يتسلم ويوقّع على أوراق الصرف والاعتماد المالى، إحكام السيطرة عليهما يضمن لنا غلق «حنفية فساد»، جميعنا شهود عيان عليها، ولكن لا أحد يتحرك نحو مواجهتها بشكل جاد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة