الجماعات التى تتبنى العنف وسيلة لتحقيق مقاصدها، وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابى، غاص صانعوها وأتباعها فى بطون تراثنا، فاستخرجوا منه بعض النصوص التى استدلوا بها على ما يرتكبونه من جرائم ضد المسلمين وغير المسلمين، على حد سواء، وهذه النصوص يدور معظمها بين الضعف والوضع، وإن كان هناك بعض النصوص الصحيحة لكنهم فهموها فهمًا خاطئًا ينم عن جهل وسوء نية، ولا يخفى على المتفقهين فضلًا عن الفقهاء أن النصوص الضعيفة لا يعول على ما جاءت به من أحكام، ولا سيما إن كان الأمر يتعلق بالدماء والأعراض؛ لأن الأمر فيهما مبنى على الحيطة والحذر، والضعيف من النصوص لا يعول عليه فى الاستدلال فيهما، أما الموضوع من النصوص فلا حجة فيه أصلًا لا فى الدماء ولا فى الأعراض ولا فى غيرهما، وأما النصوص الصحيحة فقد اجتزأها هؤلاء من سياقها التاريخى وفسروها بما يلائم الأحكام الباطلة التى تفتقت عنها قرائحهم الخربة.
ومن أمثلة النصوص الصحيحة التى يستدلون بها على قتل غير المسلمين: الاستدلال بآيات القتال أو السيف كما يطلق عليها أحيانًا، ومنها قوله تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»، ويغفل هؤلاء أو يتغافلون عن سياق الآية، وأنها فى المعاندين الذين يرفضون التعايش السلمى مع المسلمين، وليس فيها أمر بقتل، ولكنها مقاتلة، أى مفاعلة، وهى تعنى دفع المقاتل بالقتال، بينما القتل إتلاف القاتل لحياة المقتول، وهو ليس من المفاعلة، كما أن القتال فى الآية الذى قد لا يترتب عليه قتل بالضرورة، له غاية ينتهى عندها، وهى قبول هؤلاء لعقد الذمة الذى ينقلهم من حال العداء إلى اكتساب صفة دار الإسلام على سبيل التأبيد، مع بقائهم على دينهم الذى يعتنقونه، فكيف يجيز ديننا الحنيف قتل غير المسلمين من مواطنى الدول الإسلامية وكتاب الله حافل بآيات الوفاء بالعهد المعقود معهم؟! ويكفى لمن أراد أن يقف على بعضها مطالعة صدر سورة التوبة، وتكفى منها آية واحدة هى قوله تعالى: «فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين»، وتحفل سنة رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، بأقوال وأفعال تبرهن بوضوح وجلاء على مدى تحريم الإسلام وتعظيمه لدماء غير المسلمين فى ديار الإسلام تعظيمه لدماء المسلمين.
ومما يستندون إليه أيضًا حديث: «لقد جئتكم بالذبح»، وحديث: «بعثت بين يدى الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقى تحت ظل رمحى، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمرى، ومن تشبه بقوم فهو منهم»، حيث تردد الجماعات الإرهابية هذين الحديثين ونحوهما للتدليل على حل ما يفعلون من الذبح والقتل للأبرياء، ويستدل أعداء الإسلام بهذين الحديثين وما شابههما فى التنفير من الإسلام والتدليل على دمويته وعنفه. وكلا الفريقين ضال مضل، حيث يغفلون سهوًا أو عمدًا السياق الذى قيلت فيه هذه النصوص، ونوع المخاطبين بها، فضلًا عن النصوص الأخرى التى تعالج الموضوع ذاته، فالمقصود بكون الرزق تحت ظل رمحه، صلى الله عليه وسلم، أنه إذا اضطر لخوض حرب مع المشركين المعاندين، فإن الغنائم التى يحصل عليها منهم أُحل له دون غيره من الأنبياء السابقين الأكل منها، وهذه خصيصة من خصائصه، صلى الله عليه وسلم، وليس معنى الحديث كما يفهمه البعض أن الرمح وسيلته لطلب الرزق، فالنبى، صلى الله عليه وسلم، كغيره من الأنبياء يتكسب من التجارة وغيرها من طرق الكسب، وليس فى حاجة لخوض حرب من أجل طلب الغنائم التى أُحلت له.
ومن ثم، فالقتال هنا إنما يكون للمعاندين والرافضين للتعايش السلمى، وهو على هذا النحو يكون اضطراريًّا، وليس كما يروج المفسدون فى الأرض أنه يكون فى حق من لا يتبعون فكرهم ولا نهجهم السقيم من الآمنين المعصومين بالإسلام أو الأمان. وفى هذا الإطار يأتى قوله، صلى الله عليه وسلم: «لقد جئتكم بالذبح»، فليس المقصود بالذبح هنا الذبح المعهود الذى اختص به الحيوان لتذكيته، وهو ما يفعله تنظيم داعش المجرم ومن على شاكلته مع ضحاياه الذين يحرم قتلهم أو الاعتداء عليهم أصلًا، وإنما هو ذبح السيف الذى يستخدم فى قتال المعاندين من الكفار الذين يرفضون التعايش مع المسلمين فى أمان على ما سبق بيانه، ولذا نقول لهؤلاء المفسدين إن الفعل مبين لماهية القول، وقد كان يؤذَى رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، ومن معه بكل أنواع الإيذاء فى بداية دعوته ولم يؤذن له حتى برد الاعتداء، وإنما كان يؤمر بالصبر، قال تعالى: «فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة