وصلت العلاقات التركية الأوروبية مفترق طرق عقب خروج توصية للبرلمان الأوروبى بتعليق مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد، بتصويت ثلثى الأعضاء بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وهى التوصية التى ستكون أمام قادة أوروبا فى قمتهم المقررة منتصف الشهر الجارى، للبت فيها عقب سلسلة من الجرائم والتجاوزات التى يرتكبها نظام الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بحق شعبه.
وعلى مشارف "اختبار ديسمبر"، يقف الاتحاد الأوروبى أمام خيارات محدودة، تضع مصداقيته على المحك، فإما الانحياز لمبادئ حقوق الإنسان التى دائما ما يقدم الاتحاد نفسه راعيا لها، وإما الانحياز للمصالح المشتركة التى تربط دول القارة العجوز بالنظام التركى.
ومع اقتراب موعد القمة الأوروبية المشتركة، تسود حربا باردة بين دول أوروبا الكبرى ونظام أردوغان، يشهر خلالها كل طرف ما يمتلكه من أوراق ضغط، ضد الآخر.
ورقة اللاجئين
وتعد أزمة اللاجئين فى مقدمة الأوراق التى يمتلكها أردوغان، حيث هدد بـ"إغراق أوروبا باللاجئين"، لردع الاتحاد الأوروبى عن قبول توصية برلمانه، مشيرا إلى أنه سيتراجع عن الاتفاق الذى تم توقيعه فى مارس الماضى، والذى تحصل تركيا بموجبه على 3 مليارات يورو مقابل إيواء اللاجئين السوريين على أراضيها.
وفى تأكيد على جدية أردوغان، كشفت الاستخبارات اليونانية مؤخرا عن خطة تركية يتم الإعداد لها لحشد آلاف القوارب على طول شريطها الساحلى تمهيدا لإرسال المهاجرين إلى أوروبا، وتحدث ضباط فى الاستخبارات اليونانية لصحيفة "ديلى إكسبريس" البريطانية عن أن أنقرة تحشد أسطولا لتنفيذ خططها لإرسال 3 آلاف مهاجر إلى اليونان يوميا، وأن كل ذلك يتم برعاية الرئيس التركى.
الورقة الروسية
ولا تقتصر أوراق الضغط التركية، وحيل أردوغان لابتزاز الغرب على ورقة اللاجئين، حيث بدأ مؤخرا الترويج لعلاقة أنقرة وموسكو، مستغلا التقارب الذى يتزايد على المحور "التركى ـ الروسى" مقابل توتر المحور "التركى ـ الأوروبى"، وذلك بعدما شعرت أنقرة أن الناتو وشركائها الأوروبيين قد خذلوها فى مساندتها أمام "محاولة الانقلاب" يوليو الماضى.
وتطويرا لعلاقاتها مع روسيا وردا على غلق أبواب الاتحاد الأوروبى فى وجهها، هددت تركيا بانضمامها إلى منظمة شنجهاى للتعاون الاقتصادى التى تقودها روسيا والصين، فمثل هذه الخطوة فى حال اتخاذها ستكون بمثابة ربط تركيا لأول مرة فى تاريخها بعلاقات اقتصادية واسعة مع دول تشكل أكبر منافس للاقتصاد الغربى.
عصا "اليمين".. وجزرة عضوية الاتحاد
فى المقابل، تحمل أوروبا أوراق ضغط تلاعب بها أنقرة وقت الحاجة لتأمين مصالحها، وفى مقدمتها التلويح من آن إلى آخر بوقف الدعم السياسى لنظم الحكم الإسلامية التى ينتمى لها أردوغان.
وتعلم الدول الأوروبية الكبرى مدى احتياج أردوغان لها لاستمرار نظامه وحمايته ليظل تيار الإسلام السياسى على قيد الحياة، وفى هذا الإطار تلوح الدول الأوربية لتركيا بورقة صعود التيار اليمينى المتطرف للحكم الذى يستغل أزمتى اللاجئين والإرهاب للترويج لنفسه وحشد الأصوات فى الانتخابات العام المقبل.
وتظل عضوية الاتحاد الأوروبى بمثابة "الجزرة" التى تغرى بها دول القارة العجوز نظام رجب طيب أردوغان لتحقيق الحلم التركى الذى لا يزال يراود قاداتها منذ توقيع بروتوكول أنقرة عام 1963، والذى نظم انضمام تركيا للتجمع الاقتصادى الأوروبى، وتمسك به أردوغان رغم العراقيل التى تضعها الحكومات الأوروبية.
وعلى الرغم من ما يبدو على السطح من خلافات، إلا أن علاقة الطرفين تظل أقرب إلى غرام الأفاعى، فلا تزال أوروبا ملتزمة الصمت على انتهاكات وجرائم أردوغان المستمرة، ولا يزال الأخير لا يقدم إلا على التهديد بما لديه من أوراق.
وسيحدد تجاوب الاتحاد الأوروبى فى منتصف الشهر مع مطالب برلمانه مدى جديته فى الانحياز لشعارات حقوق الإنسان، وسيحدد رد الفعل التركى بعد هذا الاجتماع ما إذا كان أردوغان يمتلك قدرة الفعل مثلما يمتلك قدرة القول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة