لعن الله السلطة والمتنازعين عليها، والتى لم تجلب للسوريين والعراقيين واليمنيين، وغيرها من شعوب العالم سوى الخراب والدمار والجوع وكوارث إنسانية، لفقراء لم يفكر أى منهم فى سلطة، ولم يطمح أى منهم إلى منصب، ولم يطمع أى منهم فى جاه، ولم يحلم أحدهم يوما بمجرد المرور من أمام قصر من قصور أهل السلطة.. فما كان يشغلهم فقط هو لقمة العيش والستر، وسد رمق أطفالهم.. وفجأة انقلبت الدنيا على رؤوسهم وتحولوا دون ذنب إلى جثث وهياكل عظمية من شدة الجوع، وتحول اطفالهم الى مشردين يبحثون فى القمامة عن غطاء يحميهم من قسوة البرد ، او كسرة خبر تردع شدة الجوع .
تلك للأسف، قصة (مضايا السورية) تلك البلدة السياحية الصغيرة، التى شرفت بزيارتها فى أواخر عام 2003، والتى وهبها الله من الجمال والروعة والخضرة، أن احتضنتها سلسلة جبال لبنان الشرقية، مما جعلها مزارا سياحيا يحوى مناظر خلابه تبهر كل من ارتاد منطقه (الزبدانى) بريف دمشق قبل الحرب، لدرجة انه عندما بدأت الامور تتأزم فى سورية، بدأ عدد من السوريين الهجرة اليها املا فى الحماية، بعيدا عن نزاعات لميليشيات وطوائف لا دخل لهم بأمرها، ظنا منهم ان طبيعة البلدة سوف تجعلها بعيدا عن اى نزاعات .
إلا أن الأمر قسى فجأة على أهل (مضايا) وتحولت البلدة الآمنة التى تحوى 17 ألف نسمة مع من احتموا بها، إلى بلدة منكوبة، بعد أن تم حصارها دون ذنب من قوات النظام وقوات حزب الله، منذ ما يزيد عن 7 أشهر، وتحول كل سكانها الذين كانوا يمتهنون مهن السياحة المختلفة، إلى هياكل عظمية، وأطفالها إلى مشردين، فى ظل تقارير تتحدث عن كارثة إنسانية حقيقية راح بسببها العشرات، بسبب النقص الرهيب فى مياه الشرب والمواد الغذائية والأدوية والكهرباء، لدرجة أنهم اضطروا إلى أكل لحوم القطط والكلاب، والحشائش وأوراق شجر الزيتون وكل ما هو أخضر وسط الثلوج، وهو ما تسبب فى وفاة وتسمم المئات، وسط صراخ من المستشفيات والمسئولين المحليين بالبلدة، من سؤ الأحوال الإنسانية التى يتعرض لها السكان.
وزاد من الكارثة دخول فصل الشتاء، ما جعل الجبال تكتسى بالثلوج، لتجتمع قسوة الجوع مع البرد وتضاعف من أعداد الأموات الذين يتساقطون يوميا فى شوارع "مضايا" دون ذنب .
ولعلك تشعر بقمة الاشمئزاز عندما تعلم أن عددا من المهربين يقومون وسط تلك الكارثة الإنسانية باستغلال مأساة "مضايا" وتهريب القليل من السلع المواد الغذائية إليها، وبدلا من إغاثة من يموتون فى الشوارع من قسوة الجوع، يقومون ببيعها للسكان بأسعار خيالية، لدرجة أن حليب الأطفال يصل إلى رضع "مضايا" بسعر 150 دولارًا للكيلو جرام الواحد، ويباع الكيلو جرام من السكر بـ160 دولارًا.
وخلال الأيام الأخيرة بث عدد من النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعى، صورًا وتسجيلات مروعة للسكان المدنيين الذين فتك بهم الجوع فى "مضايا" خاصة بعد العاصفة الثلجية التى زادت من مأساتهم، ورغم استغاثات السكان والمسئولين المتكررة والموثقة، لم تحرك الكارثة المجتمع الدولى، أو أى من العرب والمسلمين، فى ظل صمت تام من المنظمات الأمامية، وفى مقدمتها الأمم المتحدة، التى اشرفت فى نهاية الشهر الماضى على اتفاق بين النظام والمعارضة، تم بموجبه تبادل الجرحى بين الطرفين، وكان أبرز بنوده فك الحصار عن "مضايا" وإمداد المناطق المحاصرة بالغذاء والدواء، إلا أن المنظمة الدولية نفذت بند تبادل الجرحى، وأهملت فك الحصار عن "مضايا" وكأنها تتآمر مع النظام والمعارضة والميليشيات المتنازعة على من فيها .
ولعل ما يزيد الأمر غرابة ما كشفت عنه مجلة (فورين بوليسى) الأمريكية منذ أيام، حيث أكدت أن الأمم المتحدة كانت تعلم منذ أشهر بالمجاعة، وأن هناك مذكرة داخلية أصدرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية تحدثت عن الكارثة الإنسانية منذ أكتوبر الماضى، فى الوقت الذى خرج فيه (يعقوب الحلو) المنسق الأممى للشئون الإنسانية فى سوريا منذ ايام ليتحدث عن الكارثه ببرود، مؤكدا أن ما تعانى منه "مضايا" مثل ما تعانى منه المناطق المحاصرة من تنظيم داعش .
الأمر مخزى ومؤلم ويدعو للأسف، فى ظل صمت عربى وإسلامى ودولى، يشارك فى قتل أهل "مضايا".
ولله الأمر من قبل ومن بعد
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة