منذ أن عرفت مصر النظام البرلمانى عام 1866، وكان من الطبيعى ونتيجة للإفرازات الطبيعية للمجتمع المصرى أن يصل إلى البرلمان تلك النخبة التى كانت تملك القدرة الاقتصادية التى تمثلت فى ملكية الأرض، ثم شاركتها تلك النخبة التى أصبحت تمتلك القدرة المالية المتمثلة فى المشروعات الاقتصادية، وكان من الطبيعى ألا يصل من النخبة الاجتماعية أو الدينية غير الذى يملك المقدرات الاقتصادية والقدرة المالية، ولذا كانت قاعدة من يملك يحكم هى السائدة والحاكمة باستثناء مرحلة ما بعد 23 يوليو 52، تلك المرحلة التى فتحت الباب للطبقات الشعبية والعمالية والفلاحين للوصول إلى البرلمان، ثم عادت الأمور كما كانت مع سياسة الانفتاح الأقتصادى عام 1974 ليس إلى تكريس شعار من يملك اقتصاديا يحكم، لكن أضيف للواقع المصرى من يملك اللعب بورقة الدين ويغازل العواطف الدينية تحت ادعاء تكوين الخلافة الإسلامية، فوجدنا أنفسنا عبيدا لشعارى المال والدين فى الانتخابات البرلمانية، ولا عزاء للسياسة والسياسيين وتلك الأحزاب التى لا تملك غير اسمها الذى لا يعرفه أحد.
والدليل تلك القوانين وهذه الممارسات التى نشاهدها على أرض الواقع التى تؤكد سيطرة المال والدين على مجمل المشهد الانتخابى الذى بدأ أول سبتمبر وحتى آخر العام، فالقانون حدد تلك المبالغ التى يجب دفعها لزوم الترشح والكشف الطبى، كما حدد سقف الإنفاق المالى للدعاية الانتخابية التى وصلت وستصل إلى الملايين، حيث لا ولن تملك أى جهة متابعة الصرف ومحاسبة التجاوز، فهذه مواد خيالية لزوم حفظ ماء الوجه، فمن من المواطنين من الأغلبية الغالبة من الشعب الذى يعانى مشاكل لا قدرة لأحد عليها يمكن أن يجرؤ على الترشح حتى ولو كان يملك تاريخا مشرفا من العمل السياسى والتمثيل البرلمانى؟ من الذى باستطاعته الترشح غير من يملك المال عن طريق السمسرة والرشوة واستغلال السلطة وأموال البنوك وبيع الأراضى الزراعية والمتاجرة بالسوق السوداء؟ ولا علاقة له بسياسة أو أحزاب أو برلمان ولكن الهدف هو العضوية والحصانة لكسب مزيد من المال والسلطة ناهيك عن تحدى القانون وإسقاط الدستور وتغييب 25/30 والترحم على شعار العدالة الاجتماعية، ذلك عندما نرى من يعلن بشكل مفضوح عن شراء المرشحين لشراء البرلمان للسيطرة على القرار، وبالتالى الحكم، ولذا يصبح البرلمان مثل أحد المشروعات الاقتصادية التى يمكن شراؤها بالمال الذى هو أصل لكل الشرور.
وفى إطار استمرار المتاجرة بالدين عن طريق الأحزاب الدينية بالرغم من حظر المادة 74 من الدستور لذلك، نرى حزب النور يمارس هوايته وقناعته فى الوصول إلى أهدافه متسترًا وراء مقولات «الضرورات تبيح المحظورات» و«درء المفاسد وجلب المصالح» ومن باب التقية، وخضوعًا للدستور رشح أقباطا على قائمته بالرغم من قناعته وفتواه التى تكفر الأقباط وتحرم التعامل معهم ، فهل هذه هى الشفافية فى الدين والسياسة؟ وهل هذه هى المصداقية التى تدعو لها الأديان وتعمل من أجلها السياسة؟ والغريب أن القوائم قد أوجدت دورًا غير مباشر للكنيسة فى ترشيح الأقباط على القوائم (ومن الكنيسة للنور يا قلب لا تحزن)، وكل هذا ونتشدق بالدولة المدنية ونحن فى الوقت ذاته نغرق فى بحار المال ومحيطات المتاجرة بالدين، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة