الحياة تيار متدفق لا يتوقف، فحب الحياة يجعل المكلومين والمظلومين وأصحاب المشكلات ومعضلات الحياة يواجهونها بشجاعة لكى يبقوا واقفين على أقدامهم دون أن ينهاروا أمام تلك المشكلات.
والعيد عقب شهر من العبادة هو جائزة لمن صلوا وصاموا وقاموا، وهو فاصل ليوم قصير يخرج فيها المسلم من كد العبادة لينال جائزته بالاحتفال بالعيد، فيخرج من اعتكافه إلى فضاء الحياة الكبيرة ومباهجها ليلتقى الأصدقاء ويعطى النفس حقها من اللهو البرىء، وهو يحقق فى سعادته بالعيد منافع لنفسه وأهله وأمته فيزور الأقارب ويتهاتف مع الأصدقاء، ويلتقى بالأحبة، ويوزع على الأطفال العيدية التى تدخل البهجة على نفوسهم.
ومصر فى العيد قوة جارفة وكبيرة أهلها محبون للحياة، فرغم مشقة الحر والرطوبة القارسة فإنهم اندفعوا عن الاحتفال بالعيد يبتهجون ويفرحون ويأملون غدا أفضل مما يعيشونه، وكانت القاهرة فى أيام العيد بسبب الحر تكاد تكون خالية من زحام الناس فى الأيام العادية، فكثيرون اتجهوا إلى متنفسات تريح أعصابهم وأجسادهم فى مدن البحار سواء على البحر المتوسط فى الإسكندرية أو الساحل الشمالى، وكثيرون اتجهوا إلى متنفسات البحر الأحمر القريبة من القاهرة، وكثيرون بقوا فى بيوتهم يستمتعون بالراحة والهدوء من عناء زحام الشوارع وقسوتها وعدوانيتها فى الأيام العادية.
وفى ظل ذلك المزاج المحب للحياة لدى المصريين تواجه بلادنا مشكلة التطرف والإرهاب والعنف، وتخوض قواتنا المسلحة مواجهة شرسة مع تنظيم أنصار بيت المقدس، ذلك التنظيم الأرعن الفاقد للعقل والضمير والإنسانية، كشأن تنظيمه الأصلى داعش الذى بايعه وأصبح جزءا منه مطلقا على نفسه ولاية سيناء.
ورغم شح المعلومات فإن التنظيم لم يعد قادرا على تنفيذ عملياته المفاجئة المباغتة دون مواجهة من جانب جنودنا، فأغلب عملياته بعد محاولته الرعناء مطلع هذا الشهر بالهجوم على كمين أبى رفاعى والسدرة وقسم الشرطة فى مدينة الشيخ زويد وعدد آخر من الكمائن- تمت مواجهتها ومنع التنظيم من أن يحدث نكاية بقواتنا وجنودنا، بيد أن التنظيم لا يزال يحاول الهجوم كما حدث فى كمين السويس وكما حدث فى عملية لنش رفح، وكما حدث هذا الأسبوع بمحاولته معاودة الهجوم مرة أخرى على كمين أبى رفاعة وقتل عدد من قواتنا المسلحة.
هذا التنظيم هو التحدى الاستراتيجى الكبير الذى نواجهه فى مصر اليوم، وعلى قيادة القوات المسلحة والشرطة والقيادات السياسية والأمنية كافة أن تضع خطة تمنحها القدرة على المبادرة وعدم الانتظار ليصل التنظيم الإرهابى إلى مواقعنا لنواجه عند تلك المواقع، علينا أن نواجهه فى عقر داره، حيث يبسط يده على مناطق شرق الشيخ زويد حتى رفع بحيث نحرمه من الملاذ الآمن الذى يلوذ به، هذه هى المهمة التى لا محيص من مواجهتها.
ورغم الضغط الذى يمثله التنظيم على أعصاب الدولة ورجالها فإنه لا يجب أن يقودنا إلى قتل من لا يستحق، فقتل ستة من المتظاهرين مرة واحدة فى العيد مثل صدمة عنيفة لى، ذلك أن العدد كبير جدا، والمتظاهرون نتعامل معهم بطريقة مختلفة دون تطبيق مفهوم العقاب بالقتل انتقاما لأعمال يقوم بها تنظيم أنصار بيت المقدس فى سيناء، لا عذر لمن يستخدم القتل أيا كان فى غير الضرورة القصوى، والشرطة تنفذ القانون ولا تقوم هى بالقصاص لما تعتبره تخلصا من أعداء الدولة، فالدولة يجب أن تكون وقافة عند القانون واحترامه وتطبيقه.
عيد سعيد لأبناء بلادى جميعا، وأمل لمصر بغد أفضل تخرج به من وهدة الاستقطاب إلى أفق التسامح والتراحم، ودعوة لمن يمثلون الدولة أن يقدروا أن احتكارهم للعنف المشروع ليس شيكا على بياض ولكنه فى إطار الالتزام بالقانون واحترام حق الناس فى التعبير، لا أرجو لبلادى فى يوم عيدها أن تتجه نحو شمولية أو تسلطية بدعوى محاربة الإرهابيين، يمكننا مواجهة الإرهاب مع الالتزام فى الوقت ذاته بالدستور والقانون والحريات الأساسية، وكل عام ومصر كلها فى أحسن حال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة