لماذا اخُتصت البرلمانات وهى السلطة الشعبية بتشريع وسن القوانين؟ ذلك لأن القانون يُشرع لحاجة ماسة إليه لضبط إيقاع المجتمع فى مواجهة قضية يحدث حولها توافق مجتمعى وجماعى. ومن الطبيعى أن يكون نواب الشعب وممثلوه لديهم إمكانية قياس حاجة الرأى العام لهذا القانون وإدراك الهدف من تشريعه حتى يحدث ما يسمى بالردع العام، كما أن الإجماع حول أى تشريع يعطيه السند والمشروعية فى التطبيق، وهذا غير إصدار قانون من أعلى بعيداً عن الجماهير وقناعاتهم، ولذا ففلسفة التشريع تعنى عمومية القانون وليس خصوصيته، كما أن التشريع يجب ألا يكون رد فعل عاطفيا تجاه موقف بذاته، وفيما يخص تشريع قانون مكافحة الإرهاب فلا نعتقد أن هناك مصريا وطنيا ينتمى لهذا الوطن ويشعر بالتحديات التى تواجه الوطن والمواطن بل تستهدف تاريخه وهويته يمكن أن يعارض مثل هذا القانون، خاصةً بعد ما نشاهده من هجمات إرهابية ليس فى سيناء فقط بالرغم من شراستها وما يقف من ورائها من أهداف وإستراتيجيات تهدد سلامة الوطن وأرضه، ولكن تلك العمليات التى تستهدف الجيش والشرطة والقضاة وكل المصريين ولن تكون عملية السفارة الإيطالية آخر هذه العمليات، فهى بالفعل حرب بل حرب وجود لأنها تستهدف المكان والإنسان والتاريخ، ولكنه أيضا من المعلوم أن مثل هذه المواجهة لن تقتصر ولا تختصر فى القوانين فحسب، فنحن منذ تعديل قانون العقوبات عام 1997 وإصدار قانون الكيانات الإرهابية لم نر أن هناك انحساراً لهذه الظاهرة، حيث إن مواجهة أى حرب تقليدية هى أيسر كثيراً من مواجهة الإرهاب، حيث لا حدود لزمانها ولا مكانها والأهم أن العدو داخلك ويعيش معك، ولذا فهذه الحرب وتلك المواجهة تحتاج إلى اصطفاف وطنى وتجمع مصرى وقناعة شعبية تعى خطورة الموقف وتستعد للمواجهة على كل المستويات، ولذلك لا نريد أى تصرف أو قرار أو رؤية تُحدث انشقاقاً وطنياً أو فراقاً مصرياً، ولذا فإذا كانت هناك معارضة لبعض مواد هذا القانون مثل المواد 26 و27 و29 و33 و37 من جماعة الصحفيين وغيرهم فهذا لا يعنى أنهم ضد مواجهة الإرهاب ولا يجب نعتهم بأنهم غير وطنيين، فكفى مزايدات وسلوكاً نفاقياً لا يهدف لغير المصلحة الذاتية، وإن كانت تحت شعارات وطنية، مع العلم أن هذه الحملات النفاقية تمسح بالوطن، تضر الوطن وتهدد سلامته، فالنفاق لن يكون أبداً طريقاً صحيحاً لبناء الأوطان، فالحوار والرأى والرأى الآخر والمعارضة الموضوعية هى أدوات وأساليب للديمقراطية، كما أن الحرص على تلك المواجهة بإجماع شعبى حقيقى يجعلنا نحافظ على حقوق المواطن وأمنه وسلامته التى خولها له الدستور، فحتى قوانين الطوارئ فى أى مكان هى قوانين لها حدودها وضوابطها، فليس من الطبيعى ولا الدستورى، والأهم ليس فى صالح الوطن الذى نريد أن نقيمه من عثرته أن نترك المجال والأمر لشخص أو لمؤسسة أن تفعل ما ترى وتنفذ ما تريد بعيدا عن فلسفة القانون حتى وإن كان باسم القانون. فليصدر القانون ولكن الأهم هو كيفية الحفاظ على الاصطفاف الوطنى لمواجهة تلك الظاهرة حتى تظل مصر لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة