عصام شيحة

المؤسسة العسكرية.. وأصحاب الرؤية السياسية الغائبة

الخميس، 30 أبريل 2015 10:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على غير موعد، وعلى نحو متسارع، حلت المؤسسة العسكرية الوطنية فاعلاً رئيساً فى الحياة السياسية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبمقتضى عوامل عدة، لم تنجح محاولات فك الاشتباك الوطنى الحميم بمؤسسته العسكرية، لعل أهمها رسوخ موقعها فى العقيدة الوطنية، فضلاً عن تخلف كثير من مكونات الحياة السياسية عن مسئولياتها، وفى ذلك، تأرجح الكثير من "المنظرين" بين تأويلات متعددة، تناولت الدور الذى نهضت به المؤسسة العسكرية الوطنية، تباين المنطلق فيها ومنها على نحو أتاح تغييب جملة من المشتركات الوطنية، ما كان لها أن تتراجع لو أن سياقاً وطنياً حاكماً حل موقعه الطبيعى، على حساب المصالح، فى مواجهة المخاطر والتحديات التى يواجهها الوطن.

وإلى جانب أهمية إجراء مراجعات حقيقية تنال من متغيرات السياسة، بموجبها نصحح ولا نُزيد الأمر التباساً أمام التاريخ، فإن الحاجة مُلحة للتأكيد على مجموعة من الثوابت، دونها لا يملك الحديث موضوعيته، حيث لا تعد "النوايا الطيبة" ملاذاً آمناً يمكن اللجوء إليه.

فقد كشفت أحداث ثورة يناير 2011عن فشل الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى تجريف المؤسسة العسكرية الوطنية من العقيدة الاحترافية المميزة لها، ومن ثم لم تشهد مواقفها تراجعاً عن مسئولياتها فى حماية الوطن فى مواقف عدة، فعندما اصطدمت المسئولية الوطنية بسلطة نظام مبارك الحاكم، لم يكن لانتماء مبارك إلى المؤسسة العسكرية أى أثر فيما جرى للرجل من إبعاد ومحاكمات نهضت فيها الأجهزة المدنية بدورها الطبيعى، ولم يتبدل موقف المؤسسة العسكرية من مسئوليتها الوطنية فى الثلاثين من يونيو، وظلت على ثوابتها بتنفيذ الإرادة الشعبية الحرة التى رفضت حكم جماعة الإخوان.

وقد يرى البعض بداهة فى الأمر، إلا أن نظرة موضوعية نرصد من خلالها تميزاً لافتاً لصالح تماسك المؤسسة العسكرية الوطنية أمام شهوة وجبروت حكم نظام مبارك، إذ لم تستطع الأحزاب السياسية صبراً أمام محاولات نظام مبارك للهيمنة عليها، وبث بذور الفرقة بين تياراتها، وغرس عيون وآذان داخلها، ما أطاح بها بعيداً عن الملايين صانعة الثورة بمجهود فردى غابت عنه "القوى السياسية".

من جهة أخرى، لم يكن الثلاثين من يونيو مختلفاً عن الخامس والعشرين من يناير، فقد تمسكت المؤسسة العسكرية بثوابتها الوطنية، مؤكدة على جدارة الإرادة الشعبية بدعم ومساندة قواته المسلحة، فيما صاغ علاقة أكثر تطوراً بين الطرفين؛ إذ باتت المؤسسة العسكرية محل تجسيد التطلعات الثورية، حيث لم يعد كافياً مجرد دعمها وحمايتها.

وببلوغ التجربة المصرية مرحلتها الراهنة، تسابق "المنظرون" بحثاً عن "رؤية سياسية" يرونها تغيب عن الدولة المصرية فى صيغتها الجديدة، وليس ينكر مُنصف الغلبة الحالية للصيغة التنفيذية على إدارة شئون الدولة، خاصة على الصعيد الداخلى، إلا أن استيعاباً مختلفاً ينبغى أن نلحق به، بعيداً عن رغبة الرئيس، المنتمى إلى خلفية عسكرية، فى الهيمنة منفرداً على السلطة؛ ذلك أن تزيداً بات ملحوظاً فيما تشهده الساحة من محاولات لتخليص الأحزاب والقوى السياسية من المسئولية المشتركة تجاه العثرات المتعاقبة التى تواجه تنفيذ الاستحقاق الثالث والأخير من خارطة المستقبل، والتى بمقتضاها تكتمل الأركان الدستورية للدولة، ويظهر إلى الوجود أول برلمان يعبر عن الحركة التصحيحية التى أنقذت ثورة الخامس والعشرين من يناير من شُبهة تسليم "الدولة" إلى جماعة الإخوان، فواقع الأمر أن رؤية سياسية يمكن من خلالها صياغة حركة الدولة تجاه أهدافها، لا يصح صياغتها على نحو مكتمل وبات دون مشاركة مجتمعية فعالة يمثلها برلمان منتخب، وحكومة سياسية منتخبة، تستند إلى أيديولوجية محددة حازت قبولاً لدى أوساط الرأى العام؛ ومن ثم منحها ثقته فى انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة؛ وعليه فتحديد رؤية سياسية فى المرحلة الراهنة يشير إلى تأميم لاختصاصات تنتظر أصحابها إذا ما اكتملت المؤسسات الدستورية للدولة، ببرلمان وحكومة سياسية منتخبة.

وإلى أن تصل التجربة المصرية إلى تلك النقطة المعبرة عن صدق العزم صوب تطلعات الشعب إلى حياة ديمقراطية حقيقية، لا ينبغى تحميل الأمور أكثر من طاقتها؛ فجهد جهيد يبذله المهندس إبراهيم محلب، لا يمكن تقييم أثره السياسى بمعزل عن السمة المؤقتة التى تلاحق الرجل منذ تقلد منصبه، ومن ثم لن تؤتى جهوده تلك النتائج السياسية المرجوة إذا ما تجاهلنا كون حكومته مرهونة بانتخابات برلمانية تفرز حكومة سياسية منتخبة، وبالفعل لم يطالعنا الرجل يوماً بامتلاكه أجندة سياسية، مثلما أعلن أن حكومته تنفيذية، ولا أهواء سياسية تدفعها .

ومع التأكيد على وجود إخفاقات طالت وتكررت فيما يتعلق بالعملية التشريعية المنظمة للانتخابات البرلمانية، لا تستقيم موضوعية تقييم حقيقة ودوافع ونتائج غياب رؤية سياسية إذا ما تجاهلنا ممارسات لطالما دفعت بالانتخابات البرلمانية بعيداً عن متناول التجربة المصرية، وهى ممارسات عبرت فى حقيقتها عن غياب الرؤية السياسية عن المنادين بها فى مناسبات شتى، ما يفضح حقيقة ضعف فرص نجاحهم فى إثبات وجودهم على نحو يجعل منهم محل ثقة الناخب، وهى ممارسات اتخذت أشكالاً متنوعة، لعل بعضها لم يبرح مكانه حتى الآن، اللهم إلا لتحل محله اتهامات فقدت صلاحيتها، تشير إلى رغبة الرئيس فى حيازة سلطات الدولة مجتمعة، وغياب رؤية سياسية عن حكومة لم تعلن يوماً أنها سياسية، ليظل الأمر معلقاً بقدرة هؤلاء المنظرين على تحمل المسئولية الوطنية إذا ما تعارضت مع مصالح ذاتية، ليس إلا هى جوهر النداء بالصوت العالى على "الرؤية السياسية" الغائبة!.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة