يحيى حسين عبدالهادى

كل عام وهم عند ربهم يرزقون

الإثنين، 09 مارس 2015 11:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«اليوم يوم الشهيد المصرى» كل عامٍ وشهداؤنا أحياء عند ربهم يرزقون.. كل عامٍ ومصر لها البقاء والحياة وشجرتها الوارفة تُروى وتنمو وتعيش بدماء شهدائها.. يوم الشهيد المصرى يوافق ذكرى استشهاد قائدٍ مصرىٍ عظيمٍ وكبير الفريق/ عبدالمنعم رياض رئيس أركان الجيش المصرى (الذى يتطاول عليه الخونة والصغار الآن).. استُشهد فى الصف الأول حقيقةً لا مجازاً.. على حافة قناة السويس.. لكن هل بدأ سِجِل الشهادة فى مصر مع استشهاد عبدالمنعم رياض ؟ الإجابة لا.. فالاستشهاد جزءٌ من نسيج الحياة فى مصر منذ نشأتها منذ آلاف السنين، لدرجة الاعتياد حتى إن أحداً لم يفكر فى تخصيص يومٍ للاحتفاء بشهداء الوطن وما أكثرهم قبل أن تَسُن الدولة الناصرية هذه السُنّة الحسنة سنة 1969.

لا غرابة فى أن يكون أول ما يتبادر إلى الذهن عند ذكر الشهداء هو الجيش.. فالجيش المصرى هو أقدم مؤسسةٍ وطنيةٍ فى التاريخ.. وهو ليس كمثله جيشٌ فعلاً.. إذ إنه ليس مؤسسةً منفصلةً عن مصر.. وإنما هو مصر.. ينصهر فيه العاملون والمتطوعون والمجندون.. الفلاحون والعمال.. المثقفون والبسطاء.. فيتحولون إلى سبيكةٍ واحدةٍ متماسكةٍ يفعلون الأعاجيب ويقدمون أرواحهم رخيصةً فى ساعة الخطر.. فلا غرابة أن تستأثر هذه المؤسسة الوطنية بالنصيب الأكبر من شهداء مصر.. لأنها مصر.. أنا ذو خلفيةٍ عسكريةٍ وأفتخر بانتسابى لهذا الجيش الذى تعلمنا فيه أن كُلاً منّا مشروع شهيدٍ (بحق).. سواء فى وقت الحرب أو السلم.. فى التدريب أو الميدان.. فى العلن أو السر.. وأن الاستشهاد قيمةٌ عليا وشرفٌ لا يجوز المتاجرة به.. وهو نفس المعنى الذى كان ينتقل لأُسر الشهداء دون تلقين.. وقد عايش كثيرون منا مشهداً متكرراً يكاد يتطابق.. تتلقى أسرة الشهيد النبأ الفاجع بحزنٍ نبيلٍ يجمع بين لوعة الفراق والفخر بالشهيد.. وأحياناً يُحرمون حتى من لقب (شهيد) فى النعى فى الصحف لأسبابٍ تتعلق بسرية المهمة فلا يتململون.. لا يطلبون تعويضاَ (وإن أُعطوا رضوا)، ثم يمضون فى حياتهم يصارعونها وتصارعهم ككل المصريين، مكتفين بصورةٍ مكللةٍ بالسواد معلقةٍ على الحائط، يعتز بها الأبناء حينما يكبرون.

وللشهادة فى الجيش معنى عظيم لم يُبتذل كما ابتُذل من البعض منذ ثورة يناير (التى أفخر بالانتماء إليها)، عندما صارت مجالاً للمزايدة والاسترزاق من البعض، بحيث زاحم فيها الشهداءَ الحقيقيين كثيرٌ من لصوص المولات والبيوت ومهاجمى الأقسام. وكان من المخجل أن يبقى تعويض شهداء معاركنا العسكرية أقل من خمسة عشر ألف جنيه، بينما وصل مزاد تعويضات ضحايا وقتلى حوادث استاد بورسعيد وماسبيرو ومحاولات اقتحام منشآت الدولة وحرق المجمع العلمى وغيرها إلى مائة ألف جنيه للضحية مع منحه لقب شهيد (!).

لكن الشهداء فى تاريخنا يتجاوزون بكثيرٍ شهداء معارك العصر الحديث.. فأكثرُنا يجهل عصراً كاملاً من البطولة والجهاد سقط فيه من أجدادنا المصريين حوالى ثمانمائة ألف شهيد.. وسُمىّ عصرَ الشهداء.. هم شهداء المسيحية طبعاً بلا شكٍ.. ولكنهم شهداء مصر أيضاً.. لأنهم مصريون فى الأساس.. مكانهم الطبيعى فى كُتب التربية الوطنية لا فى كُتب الدين المسيحى.. قدّم أجدادنا مئات الآلاف من الشهداء فى أروع نموذجٍ للمقاومة السلمية فى التاريخ (لا يُقارن به نموذج غاندى)، دفاعاً عن عقيدتهم وهوّيتهم واستقلالهم فى وجه السفاحين الرومان.

يمتلئ تاريخنا بأسماء كثيرين من شهدائنا الذين نعلمهم، ولكن هناك أضعافهم من الذين لا نعلمهم، ولكن الله يعلمهم (كما قال عمر رضى الله عنه).

رَحِمَ اللهُ كل ساداتنا من الشهداء الذين ماتوا لنعيش.. وعانت أسرُهم بعدهم لِتَنْعَمَ أُسرُنا.. ورَضِىَ الله عنهم وأرضاهم.. وجزاهم عن مصر خير الجزاء.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة