ومنذ نشأة السينما كان للشاعر أو للكلمة الشعرية دور مختلف، كما كان للقصيدة المغناة دور أيضا فى الموسيقى العربية، وهناك الكثير من الأفلام التى تعاملت مع القصيدة بنوع من الجدية كما فى فيلم "قيس وليلى"، 1960 والفيلم يحكى قصة مجنون ليلى وكانت القصيدة تمثل الموسيقى التى تعمل على كموسيقى تصويرية للفيلم، حيث الإلقاء المميز للفنان شكرى سرحان كما أنه يحفظ للشعر قيمته ويمنحه دورا مهما فى قصة العشق ويوظف قصائد قيس بن الملوح طوال الفيلم.
سلام الحب يا دار حبيبى،من الصب الذى ضل سبيله،جناح الشوق يحملنى فأمضى،
إلى واديك ألتمس الوسيلة، فأنت السحر فى سمع البوادى، وأنت النور فى ليل القبيلة
ومن زاوية أخرى دخل الشعر فى زمن الأبيض والأسود مجال الكوميديا وأصبح قادرا على تفجير طاقات من الكوميديا لكن دون الإساءة إليه، فعبد الفتاح القصرى الذى تقمص دور "المتنبى" فى فيلم "ابن حميدو" دون أن الإشارة لأبى الطيب، حيث أشهر الساطور فى وجه إسماعيل ياسين صائحا:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ، حتى يراق على جوانبه الدم
وربما جاءت الكوميديا هنا من الفصاحة التى تحدث بها شيخ الصيادين، دون أن يحضر فى الأذهان اسم الشاعر الكبير المتنبى.
أما من باب المحاكاة الكوميدية مع كبار الشعراء فقد عارض إسماعيل ياسين كبار الشعراء فهو فى دور "والد ليلى" فى الاسكتش الغنائى "قيس وليلى" من فيلم "الآنسة ماما" يحرف كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى فى مسرحيته "مجنون ليلى"، حيث يقول إسماعيل ياسين:
من البارد الآتى.. أقيس أرى ماذا وقوفك فى ساعة متأخرة.
بينما كان النص الأصلى لـ"شوقى"
من الطارق الداعى.. أقيس أرى ماذا وقوفك والفتيان قد ساروا
وفى موضع آخر يقول إسماعيل ياسين:
قيس.. إمض قيس.. جئت تطلب ناراً أم جيت فاكرنى مغفلا وحماراً.
بينما كان النص الأصلى فى مسرحية "مجنون ليلى":
أجئت تطلب نارا أم جئت تشعل البيت نارا
أما فى فيلم "إسماعيل ياسين فى السجن" فهو يعيد غناء قصيدة "أيظن" للشاعر الكبير نزار قبانى، والتى كانت قد تغنت بها الفنانة نجاة، لكنه مع احتفاظه باللحن إلا أنه يغير الكلمات التى تصل حد السخرية من القصيدة، فبينما تقول قصيدة نزار قبانى:
أيظن أنى لعبة بيديه؟، أنا لا أفكر فى الرجوع إليه
....
حتى فساتينى التى أهملتها، فرحت به.. رقصت على قدميه
بينما يقول إسماعيل ياسين:
أيظن أنى كورة بين رجليه، هل جئت أشنق فهمونى والنبى، أم جيت يعنى عشان سواد عينيه، أنا لا أفكر فى الممات وإنما، حظى المقندل اللى جابنى إليه، قولو له عجل فعندى موعد، فى الآخرة فاضل ربع ساعة عليه، حتى شلاضيمى التى ربيتها، شوفولها كلمة تكون آخرها أيه
وما زال هنا التعامل مع الشعر يصنع الكوميديا لكنهم لا يسقطون فى السخرية من الشعر أو من الشاعر.
جانب آخر من الظهور الكوميدى للشعر وذلك فى فيلم "ليالى الحب" لعبد الحليم حافظ، حيث كانت الفنانة عزيزة حلمى "فصيحة هانم"، تقول الشعر طوال الوقت وتنسبه للشعراء الكبار محاولة منها كأن تقول مثلا:
أحباؤنا قد شرفوا، يا سفرجية اغرفوا
ثم نسبته للشاعر أبو العلاء المعرى، فيرد عليها زوجها: المعرى قال يا سفرجية اغرفوا.. والله ما اتعرى إلا على إديك.
ثم تقول:
لهيب الشوق أضنانى، وسخسخنى وعيانى
ونسبته لبشار بن برد، فيرد عليها زوجها: فشار بن برش وانت الصادقة
فى المرحلة الأخيرة للسينما ظلت السينما تتعامل مع الشعر بتقدير نوعا ما، فقط ربما تضفى عليه نوعا من وصف الآخرين المستمعين له أو الذين يسمعون للمرة الأولى اسم الشعراء بالجهل كما فى فيلم "رمضان مبروك أبو العلمين" لمحمد هنيدى حيث استعار محمد هنيدى فى دور مدرس اللغة العربية الملتزم بيتا شعريا لأبى العلاء المعرى
وإنى وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم يستطعه الأوائل
وكذلك اختار بيتا للمتنبى
الخيل والليل والبيداء تعرفنى، والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وعلى الرغم من كون الفيلم فى الإطار الكوميدى لكنه لم يجعل الكوميديا تتعلق بالشعر، لكنه سخر من جهل بعض مدعى الثقافة والفن وذلك فى مشهد مهم من الفيلم ينتقد الأستاذ رمضان مبروك أبو العلمين كلمات الأغانى ويطالب المطربة بأن تغنى لـ"أبى تمام، والبحترى، وأحمد بيه شوقى" فترد عليه المطربة: لو هم صحابك يا أستاذ رمضان عرفنى بيهم.
أما عادل إمام فى فيلم "السفارة فى العمارة" فصديقه الصحفى الثائر يقول له من قصيدة "لا تصالح" لأمل دنقل:
لا تصالح أترى حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل ترى؟!
هى أشياء لا تشترى
فيرد عادل إمام قائلا: عايزنى أقول للباشا أفقأ عينيك
لكن الأمر جاء فى سياقه حيث يقدم شخصية عادل إمام فى الفيلم على أنه لا علاقة له بأى شيء ولا يعرف من مع القضية ومن ضدها، لذا كانت صدمته من الشعر تعبيرا عن خوفه من كلمة "أفقأ" بدون استيعاب كامل للقصيدة.
لكن السينما الحديثة لم تتعام مع الشعر كما ينبغى، ففى عودة لشعر المتنبى فى فيلم "شيكامارا"قال "إدوارد"
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى تتزوج المزز
وفى الجملة ما هو أكثر من تحريف الشعر، إنه اتهام المجتمع ونسائه ولكن الكوميديا الحديثة أصبحت تستسيغ مثل هذه المبالغات غير الجميلة القائمة على إدانة الجميع.
لكن انهيار الشعر فى السينما بصورة "فجة" ارتبط بظهور الأغنيات الشعبية الحديثة كما نجد فى فيلم "صايع بحر" ففى أغنية شعبية يقدمها ريكو وأحمد حلمى ومحمود عبد المغنى تبدأ ببيت شعر من معلقة امرؤ القيس"
مكر مفر مقبل مدبر معا،كجلمود صخر حطه السيل من علٍ
ثم يتوقفون عند كلمة علٍ ويتساءلون من "علي" ده
وربما كانت جملة "راحت عليك يا دنيا" تكشف هذا التدهور الذى لحق بالشعر العربى على يد الأغنية الشعبية الحديثة.
كما عادت قصيدة "أيظن" لتظهر مرة أخرى مشوهة فى أغنية لفيلم يحمل عنوان القصيدة "أيظن" ، حيث يغنى "بعرور":
أ
يظن أنى هلعب بيه، أيظن.. مش هسأل فيه
لينتهى بقوله "أصله مولع نارى"
ربما كانت العلاقة بعيدة وغير واضحة بين الأغنيتين لكنها هى التشويه الكامل لقصيدة نزار قبانى كما كتبها، فبدلا من قول نزار :
أيظن .. أنى لعبة بيديه
لتصبح .. أيظن أنى هلعب بيه
وإن كان تحويل المعنى جميل، لكن اللغة الخارجة الممتلئة بالإيحاءات واللحن الشعبى الراقص قد انحرف بعيدا بالأغنية .
موضوعات متعلقة..
تسجيل صوتى نادر لـ"إسماعيل ياسين" يظهر مدى معاناته قبل الشهرة.. رحل من السويس ليلتحق بمعهد الموسيقى.. أقاربه رفضوا أن يصبح مطربًا واعتبروا الغناء كـ"المخدرات".. نام بالمساجد واتُّهم بسرقة "طقم شاى"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة