من الناس من أدمن التواجد فى دائرة الضوء حتى صارت هى منتهى آماله وغاية أحلامه، صار لا يستطيع البعد عن تلك الدائرة ولا يطيق حياة يكون فيها خامل الذكر لا تتمحور الأحداث حوله ولا تدور الأخبار والحوادث فى فلكه، ولأجل ذلك البقاء فى دائرة الضوء ومركز الحدث تجده على استعداد لأن يرتقى أصعب مرتقىً ويختار أعجب الأقوال والأفعال وأكثرها شذوذا وغرابة ويستثير مشاعر الخلق بأى سبيل ولو كان باستجلاب اللعائن، كل هذا ليظل مستقرا فى تلك الدائرة التى أدمن المكث بداخلها.. دائرة الضوء، وحقيقة حرص ذلك النمط البشرى على البقاء فى تلك الدائرة لا تقتصر على لذة الشهرة وحلاوة تسلط الأنظار فتلك أمور ثانوية إلى جوار المشكلة الحقيقية التى تتلخص فى كلمة واحدة، أنا.. إن ذاته قد تعاظمت و(أناه) قد تضخمت لدرجة ابتلعت معها كل الذوات والأشياء المحيطة التى اقتصر دورها فى نظره على (التخديم) على تلميع ذاته وإنزالها منزلتها وإعطائها قدرها، لذلك تجد صاحب هذه الذات المتضخمة لا ينظر إلى أى شخص أو موقف أو حدث إلا من منطلق منفعته الشخصية وإمكانية الانتفاع به فى الاستزادة من التقدير لذاته، وإن لم يكن ذلك ممكنا تجده تلقائيا يتحول إلى الهجوم على ذلك الشىء أو الشخص الذى لم يستطع الانتفاع منه أو تراه يسارع إلى المقارنات الهجومية التى تكون رسالتها الضمنية دوما: انظروا إلى عظمتى وجمال شخصيتى وبديع صنعى مقارنة بأولئك الرعاع الحمقى…أرجوكم قد آن الأوان لتنزلونى منزلتى وتقدرونى حق قدرى مقارنة بأولئك الأوباش، وحتى إن لم يستطع صاحبنا المتمحور حول ذاته أن يصنع تلك المقارنات المتكلفة فإنه يحرص فى المقابل على البقاء فى دائرة الضوء من خلال (حشر) ذاته و(دسّ) بطولاته وذكر مميزاته بمناسبة أو بدون مناسبة.
والحقيقة أن ثمة فارقا كبيرا بين حديثك عن خبرةٍ حياتية وتجربة شخصية مفيدة مررت بها فترويها لينتفع بها الناس، أو رأى تراه حقا ينبغى الصدع به وبيانه، أو موقفٍ تود إظهاره وإثباته، وبين تمحور كل حديثك حول مركز واحد تطوف به كل إيحاءاتك وتعود عليه كل لفتاتك وتشير إليه كل إيماءاتك أنت.. أنت أنت، ولا شىء غيرك، تلك الذات التى تبهرك وتشعر أن واجب الخلق الرئيسى هو أن ينبهروا بها مثلك وأن يقفوا إلى جوارك مشدوهين أمام روعتها الفائقة وعبقريتها الفذة. ولم تسأل نفسك قط أيها المتمحور حول ذاتك ما الذى يجعلك تعتقد أنه يعنينى كثيرا أن أعرف عاداتك فى الطعام والشراب أو عدد ساعات النوم التى نمتها الأسبوع الماضى؟ ما الذى يدعوك لتظن أن طبيعة الوجبة التى تناولتها ليلة أمس تشغلنى وما الذى يصور لك أن تلك المواقف الشخصية التى مازلت تضحك منها إلى اليوم ستضحكنى؟ ما الذى رسخ فى ذهنك وألقى فى روعك أن الخلق بحاجة ماسّة ليعرفوا تفاصيل حياتك الخاصة وينتبهوا إلى خصائص ذاتك الفريدة؟ يا عزيزى هون على نفسك.. دع أعمالك تتحدث عنك بدلا من قلمك ولسانك وليكن نفعك المتعدى عنوانا عليك، واعقلها عنى يا عزيزى، إن الكون لا يدور حولك ولا حولى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
ربنا يدينا الصحه والعقل سواء كنا فى مركز الكون
بدون