يقول المستثمرون فى الأسواق المالية إن رأس المال جبان، لذلك سعى الكثير من رجال الأعمال إلى تنوع فرص الاستثمار والبحث عن الأمان والاستقرار لضمان تحقيق الأرباح والحفاظ على رأس المال، ولكن فى مصر كان الفساد أشد وطأة وأكثر إيلاما من كل الأحداث، فقد ابتلع إهمال الحكومات المتعاقبة الشركات القومية التى تأسست فى عهد عبد الناصر والسادات، وحولت الدولة الاستثمار إلى سبوبة يخدم عدة أفراد على حساب الوطن والمواطنين حتى ضرب العطب البلاد وزكم الفساد الأنوف وليس الرُكب كما كان يقول زكريا عزمى.
لم تكتف الأنظمة السابقة بالفساد والاستبداد وضياع الشركات، وإنما عملت على برمجة المؤسسات والموظفين على الروتين واللف والدوران والدفع من فوق الطاولة وتحتها، فى الوقت الذى يعتمد فيه العالم على اقتصاد المعرفة، فلم تعد الأرض والعمالة ورأس المال تكفى لمواجهة التحديات، بل أصبح الاقتصاد الجديد يقوم على الإبداع والذكاء والابتكار، ومن هنا يكمن التحدى الذى يواجه الاقتصاد المصرى فلن يستطيع مؤتمر شرم الشيخ وحده أن يقود قاطرة الاقتصاد مالم تتغير العقول وتتحطم القيود ونعتمد على المعرفة والإبداع كبديل عن اللف والدوران وأن ندرك أن زمن الفهلوة والسبوبة لم يعد له مكان فى الاقتصاد الجديد .
تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن اقتصادات المعرفة تستأثر بنحو 27 ٪ من الناتج المحلى العالمى وتنمو بمعدل 10 ٪ سنويا، كما أن أكثر من 50 ٪ من نمو الإنتاجية فى الاتحاد الأوروبى نتيجة مباشرة لاقتصاد المعرفة، وتؤكد الدرسات أن الإبداع والذكاء المتجسد فى برامج التكنولوجيا أصبح يفوق أهمية رأس المال والأرض والعمالة، وأصبحت إدارات الابتكار والاقتراحات أحد أهم الإدارات فى الشركات والحكومات المتقدمة حول العالم.
فالمعرفة جعلت اقتصاد دولة صغيرة مثل فنلندا مرادفا لشركة نوكيا حتى أصبح ارتباطهما بالآخر كارتباط البيضة بالدجاجة، كما جعلت المعرفة من شركات التواصل الاجتماعى وغيرها من الشركات القائمة على الابتكار والمعلومات قوة اقتصادية يفوق تأثيرها وإنتاجها عدة دولة مجتمعة.
نتمنى أن يكون مؤتمر شرم الشيخ تحولا جذريا فى نظام الاقتصاد المصرى وأن يكون إعلانا لوأد الروتين والفساد وتطبيق القانون والنظام قبل أن يكون إعلانا للتعاقد على تنفيذ المشاريع وإنجاز الأعمال، فقد كان ترخيص الشركة فى مصر يحتاج إلى 199 إجراء وموافقة من 78 جهة حسب تصريحات المسئولين فى الحكومة، وأن إنجاز الترخيص يحتاج إلى أكثر من عام ونصف فى أحسن الاحوال، كما يحدث فى منطقة مطوبس الصناعية التى آكلها الروتين والإهمال وتتطلع إلى المؤتمر لتصحيح مسارها وإنقاذ أبنائها من آلام البطالة، فى الوقت الذى يتم فيه إصدار الترخيص خلال عدة دقائق فى الدول المتقدمة كما هو الحال فى سنغافورة ودبى وغيرهما من البلدان، فهل سيكون نظام الشباك الواحد قادرا على تجاوز كل هذه الآثام واختصار الإجراءات والأزمان وسيتواجد فى كل المحافظات والمناطق الصناعية والاستثمارية على مستوى الجمهورية أم سيظل أسير الدولة المركزية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة