هل للماضى وذكرياته طعم؟!
فى رأيى الإجابة نعم..
له طعم...
ورائحة أيضًا
وله ملمس ولون..
وله وقع فى الأذن
رائحة البحر مثلا تلك الرائحة المميزة التى غالبا ستهيج فى صدرك ذكريات طفولة بريئة، أو تعيد إلى حلقك طعم الماء المالح الذى كان يتسرب إلى فمك وأنت تضرب بذراعيك النحيلتين جانبى «العوامة» الصغيرة.
مشاهد كثيرة ربما تتسارع إلى مخيلتك بينما تستنشق تلك النسمات البحرية الرطبة أطياف أشخاص قد رحلوا ربما تطل عليك بوجوه باسمة ترمقك عبر نوافذ الروح التى فوجئت أنها كانت مواربة، تنتظر تلك النسمات لتتفتح على مصراعيها.
ولربما تنساب حينئذٍ من عينك دمعة حنين للماضى ولأناس الماضى.
الماضى الذى ظل منزويا فى ركن من أركان عقلك ينتظر هذه الرائحة أو تلك النغمة العابرة ليتململ فى مكانه ويتحرك من جديد، معلنا أنه لم يزل بعد هنالك وأنه لم يندثر بعد وأنك لم تنس.
وتلك الجدران المتآكلة لذلك المنزل العتيق بتلك الحارة التى يفوح منها عبق «التقلية» العتيدة التى تزكم الأنوف ألا يذكرك ملمس تلك الجدران بملمس يد جدتك الحنون تربت على كتفك مهدئة روعك حين
انفجرت باكيا بعد سقوطك أثناء اللعب مع زملائك؟
ألا تجد فى تلك الأركان المهملة من ذلك الحى الشعبى العريق رائحة غليون جدك الوقور؟
وهذا المطعم الذى تعودت إتيانه أيام الجامعة ولك أعوام لم تلجه وقد تكاثرت عليك الانشغالات، جرب أن تعود إليه الآن ربما ستدخله اليوم وحدك وربما لن يحيط بك نفس صخب رفاقك القدامى، ولن تكون معدتك هى نفس المعدة الفتية القوية، لكن صدقنى بمجرد أن تداعب أنفك تلك الرائحة المألوفة وتقضم أول قضمة من تلك الشطيرة الرخيصة فسيعود الشغف القديم وستُقلَّب الذكريات من جديد...
ستُقلَّب بنغمة عتيقة مررت بجوارها قدرا أو بإعلان تلفزيونى ثمانينى أعيدت إذاعته على سبيل التندر أو بكلمة أو بصورة أياً كان المحفز فإنها هناك تنتظر لتطفو على السطح.
ربما لن تطفو بكل التفاصيل ودقائق الأحداث لكن الإحساس نفسه سيعود إليك بمجرد لمسة أو رائحة أو طعم، طعم الماضى الجميل والزمن الجميل.
عبارات من نوعية «فييييين أيام زمان؟!» و«فاكر أيامنا الحلوة»، و«قل للزمان ارجع يا زمان»، و«فيا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب».
تتكرر تلك العبارات الممزوجة بالشجن كلما أغضب أحدنا شىء من حاضره وتتلقاها الأسماع دون تفكير أو نظر لتجتمع كلها على نفس الفكرة أن الماضى كان جميلا ورائعاً ومثاليا.
لكن هل كان حقا جميلا؟!
الحقيقة أن هذا الكلام فيه نظر
الماضى لم يكن دائما جميلا ولا كل لحظاته كانت ممتعة
كنت فى الماضى تمر بمنغصات وآلام كالتى تمر بها فى حاضرك وتتحسر على الماضى لأجلها وربما بشكل أشد
غاية ما فى الأمر أنك قد نسيت فعادة تكون المنغصات تفصيلية
والتفاصيل تُنسى
والشيطان يكمن فى التفاصيل
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة