دارت عجلة الانتخابات البرلمانية، وقد لا تتوقف إن لم تحكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون الانتخاب، وبدأ بعض المرشحين دعايتهم مبكرا بأشكال متفاوتة من التحايل، رغم أنها لم تبدأ قانونيا بعد، وبعد أيام قلائل ستظهر برامج انتخابية متنافسة، سواء بين المرشحين على المقاعد الفردية أو القوائم، وذلك فى إطار أن نائب البرلمان مهمته محددة فى رقابة أداء السلطة التنفيذية وتشريع القوانين، وفى حقيقة الأمر، لا تخلو البرامج الانتخابية من خدع وحيل، إذ إن مصمميها لا يضعون هدفا أمامهم سوى اصطياد الناخب، وهذا الهدف لا تنازل عنه حتى لو انطوت البرامج على بعض صدق، فهذا الصدق قد يكون جزءا لا يتجزأ من خطة الخداع المعدة سلفا فى دهاء ومكر شديدين.
ليس معنى أن المرشحين أشرار بطبعهم، لكن كلا منهم يضع فى حسبانه أنه لا سبيل أمامه سوى التعامل مع الناخب بوصفه مستهلكا يبحث عن سلعة معينة، ومن ثم فإن لفت انتباهه ومداعبة خياله وإيقاظ غرائزه ومخاطبة عقله ودغدغة مشاعره، هو ما يجب أن تقوم عليه عملية الدعاية التى تجعله يتخير تلك السلعة، أو يلتقطها من بين سلع أخرى منافسة ومزاحمة، وغالبا ما يستعين المرشحون بأشخاص مهرة فى إعداد برامجهم الانتخابية، وهؤلاء لا يتوقفون طويلا أمام أى أكاذيب يكتبونها على الورق، فكل منهم يدرك أنه، إن لم يجمِّل ما يطرحه فإن منافسه سيفعل ذلك، ولهذا يقول كثيرون: إن الانتخابات لا تأتى بالأفضل فى أغلب الأحوال، ويختلف مضمون البرامج الانتخابية بالطبع من انتخابات إلى أخرى، فالذى يعده مرشح للمجلس الشعبى المحلى يختلف عن ذلك الذى يضعه المرشح للبرلمان، وكلاهما يختلف إلى حد بعيد عن ذلك الذى يعرضه مرشح لرئاسة الجمهورية، فلكل مقام مقال، لكن السمات العامة والخطوط العريضة لهذه البرامج، أو بمعنى أدق، الأساليب والقيم التى تنطوى عليها، متشابهة، إن لم تكن متطابقة.
وقراءة أى من هذه البرامج، توطئة للاختيار الشخص الذى يمثل الشعب أو يتولى المسؤولية، يتطلب شروطا معينة فى مطلعها أن يكون الناخب على درجة من الوعى السياسى تؤهله لأن يميز الحقيقى من المزيف، والقابل للتطبيق والتحقق، وذلك الذى ليس بوسع المرشح أن يفعله أو يرتقيه، ومن الأفضل أن يكون الناخب على معرفة بالمرشحين، وإن لم يكن كذلك فى بداية الحملة الانتخابية، فعليه أن يعتنى بجمع معلومات خاصة عن المرشح، لا سيما فى الانتخابات المحلية والتشريعية، وأن يستقيها من مصادر موثوق بها، ويدققها بعناية، عبر طرق عديدة من صنعه، تحصنه حيال الشائعات المغرضة، لا سيما تلك التى يطلقها المرشحون ضد بعضهم البعض، حين تشتد المنافسة بينهم، أو تتحول إلى صراع ضروس لحيازة مقعد الدائرة الانتخابية. وهنا يكون على الناخب أن يعى جيدا ما يأتيه من أخبار عن المرشحين، وأن يمتثل لما قاله الله سبحانه وتعالى فى محكم آياته: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، وبناء على ما تقدم، يصبح السؤال فى هذا المقام هو: كيف يمكن قراءة برنامج انتخابى لأى من المرشحين؟ ابتداء فإن هذه المسألة غاية فى الأهمية، لأنها تعمل تدريجيا على دفع الناس للتصويت على أساس سياسى، وليس على أسس عشائرية أو مذهبية أو عبر الاستلاب أمام سطوة المال السياسى، كما أن هذه العملية مقدمة لمساعدة الناس على بناء ثقافة سياسية تعزز الخيار الحزبى، لأن تعود الناخب على قراءة البرامج الانتخابية، وامتلاكه مهارة التمييز بين الجيد والردىء منها، يعلمه تباعا أن الأحزاب السياسية هى المؤسسات الحقيقية والطبيعية لممارسة السياسة.
وحتى يمكن قراءة برنامج انتخابى قراءة جيدة وجادة يجب اتباع الخطوات التالية:
أولا - استهجان البرامج التى تعتمد على الإنشائية، واستعمال البلاغة اللغوية، دون تقدم ما يخاطب العقل، ويحترم ذهن الناخب ويقدر إرادته المنفردة.
ثانيا - استهجان البرامج التى تصرخ بوعود مبالغ فيها لا يتمكن المرشح من تحقيقها.
ثالثا - إعادة النظر فى البرامج التى تقتصر على تقديم الخدمات، والتى يطرح المرشح من خلالها نفسه على أنه مجرد «موظف تشهيلات». رابعاـ عدم الاستلاب أمام البرامج التى يتاجر صاحبها بالدين، من خلال توظيف آيات قرآنية أو أحاديث نبوية، وهو أبعد ما يكون فى سلوكه العملى وتصرفاته المعهودة عن هذه الآيات أو تلك الأحاديث.
خامسا - مطابقة ما فى البرامج من وعود بما تحتاجه الدائرة فعلا من خدمات، وذلك فى حالة ما إذا كان الناخب لا تعنيه القضايا العامة، ويفضل أن يمنح صوته لمن يحقق له مصالحه المباشرة، وهذا التوجه على سلبيته، إلا أنه وللأسف، يحكم انحيازات وتوجهات أغلب الناخبين، ويحتاج إلى وقت حتى يتلاشى تدريجيا، ليصبح معيار الاختيار هو الصالح العام، الذى يتجسد فى حال الانتخابات المحلية والبرلمانية فى اختيار النائب المؤهل للقيام بالدور الطبيعى والحقيقى لهذه المؤسسات وهو الرقابة على أداء الحكومة، وسن التشريعات التى تخدم المجتمع والدولة.
سادسا - محاولة تجنب الاستلاب حيال المسائل الشكلية، كأن يرتاح البعض لبرنامج مطبوع على ورق فاخر أو مكتوب بطريقة منسقة ولافتة، فالأفضل هو التركيز على المضمون، واعتباره هو الفيصل فى الاختيار، وليس الشكل أبدا.سابعا -مطابقة ما يرد فى البرنامج مع تجربة وخبرة المرشح السابقة، للوقوف على مدى اتساق القول بالفعل، وفى حال المرشح للمرة الأولى تكون هذه المطابقة على سمعته وتجربته فى المجال الذى يعمل فيه، سواء كان موظفا أم رجل أعمال أو فلاحا أو عاملا أو غيره. ثامنا - عدم الاقتصار على برنامج واحد من بين المعروض فى السوق السياسية أو الانتخابية، إنما الحرص على جمع كل البرامج أو أغلبها ثم المفاضلة بينها. تاسعا - فى حال ما إذا كان البرنامج المطروح لحزب من الأحزاب يجب الأخذ فى الاعتبار التاريخ السياسى لهذا الحزب وأداء نوابه فى المجالس التشريعية السابقة، وكذلك المواقف التى اتخذها الحزب. عاشرا - من الضرورى أن يحاول الناخب أن يتخلى عن أهوائه الذاتية وهو يفاضل بين البرامج، وأن يكون انحيازه للصالح العام بقدر الإمكان، وأن يتمثل فى هذا للآية الكريمة التى تعبر خير تعبير عن هذا الأمر، والتى يقول فيها الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».
هذه النقاط العشر ليست كل شىء، بل إن من يمعن النظر فى الخبرة الانتخابية المصرية على وجه العموم يمكن أن يضيف نقاطا جديدة تساعد الناخب على أن يميز الطيب من الخبيث، والسمين من الغث، والصالح من الطالح.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة