يوسف الحسينى

العدوان الرابع «1»

الثلاثاء، 24 فبراير 2015 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بداية يود الكاتب أن يوضح قناعته الذاتية فيما يختص بإطلاق المصطلحات أنه لا قيمة لمصطلح يصك ويتداول إلا من خلال تعريف واضح له تقره العلوم الإنسانية بصفة غالبة على اختلاف تطورها والمساهمين فى تحديثها، أو المنظمات التى اعتمدها سكان الكوكب الأزرق ممثلة عنه وتتخذ الدول مشروعية جل خطواتها السياسية من خلالها، فمنها منظمة الأمم المتحدة التى انعقدت جمعيتها العامة فى 14 ديسمبر 1974 لتخرج لنا بتعريف واضح للعدوان فى ثلاث مواد رئيسية وخمس مواد مكملة ومتممة بغرض التوضيح:

مادة 1: العدوان هو استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسى، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة، وفقا لنص هذا التعريف.

مادة 2: المبادأة باستعمال القوة من قبل دولة ما خرقا للميثاق تشكل بينة كافية مبدئيا على ارتكابها عملا عدوانيا، وإن كان لمجلس الأمن، طبقا للميثاق، أن يخلص إلى أنه ليس هناك عمل عدوانى قد ارتكب وذلك فى ضوء ملابسات أخرى وثيقة الصلة بالحالة، بما فى ذلك أن تكون التصرفات محل البحث أو نتائجها ليست ذات خطورة كافية.

مادة 3: تنطبق صفة العمل العدوانى على أى من الأعمال التالية، سواء بإعلان حرب أو بدونه، وذلك من دون إخلال بأحكام المادة 2 وطبقا لها: «أ» قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى أو الهجوم عليه، أو أى احتلال عسكرى، ولو مؤقتًا، ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أى ضم لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة. «ب» قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استعمال دولة ما أى أسلحة ضد إقليم دولة أخرى. «ج» ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى. «د» قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين التجاريين البحرى والجوى لدولة أخرى. «هـ» قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة الموجودة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة، على وجه يتعارض مع الشروط التى ينص عليها الاتفاق، أو أى تمديد لوجودها فى الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق. «و» سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة لارتكاب عمل عدوانى ضد دولة ثابتة. «ز» إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها تقوم ضد دولة أخرى بأعمال من أعمال القوة المسلحة تكون من الخطورة بحيث تعادل الأعمال المعددة أعلاه، أو اشتراك الدولة بدور ملموس فى ذلك.
وعلى القارئ أن ينتبه للفقرة الأخيرة «ز» من المادة الثالثة لأنها تنطبق على ما يقوم به النظام الحاكم فى كل من تركيا وقطر بدعم استخباراتى من الولايات المتحدة والكيان الصهيونى المحتل للأراضى العربية وتحديدا على الأراضى العراقية والسورية والليبية وللدول الثلاث الأخيرة حكوماتها المركزية الشرعية المعترف بها دوليا- وإن اختلف البعض أو الكثيرون على نمط وأسلوب الحكم- كما أن لها جيوشها النظامية التى تعمل تحت مظلة هذه الحكومات الشرعية.

خلفية تاريخية



بالنظر لمشروع حفر قناة السويس الثانية الذى تم الإعلان عنه وهو ما قد يكون ثالث حدث قومى يسهم فى تغيير مجرى التاريخ السياسى والعسكرى والاقتصادى المصرى بعد تأميم القناة فى 1956 ثم السد العالى فيما بعد، وهما المشروعان الأبرزان فى مرحلة ما بعد ثورة 1952 لبزوغ مشروع مصرى ثالث يضع مصر فى مصاف الدول التى تقود المجتمع الدولى وتصبح القاهرة من ضمن مجموعة عواصم صنع القرار، وهو المشروع ذاته الذى صار سببا مباشرا فى تحالف دولى عسكرى وقيام العدوان الثلاثى بتوجيه ضرباته ضد مصر للمرة الثالثة فى العصر الحديث، فبالعودة إلى مشروع مصر الأول تحت قيادة «محمد على» لاتساع مجالها الحيوى فى المنطقة الذى بدأ منذ 1811 بحملة «طوسون» ثم فى 1818 بقيادة «إبراهيم باشا» بخلق نفوذ مصرى فى شبه الجزيرة العربية عند قتاله الحركة الوهابية المدعومة من دولة التاج البريطانى آنذاك، ثم التحرك جنوبا فى السودان لاستقرار الأمن القومى المصرى والحفاظ عليه من التمدد الفرنسى والبريطانى فى أفريقيا وتأمين سواحل البحر الأحمر فى 1822 ومن ثم الاتجاه شمالا فى 1831 لتأمين الحدود الشمالية وبسط نفوذ مصر فى دمشق المهددة من الاحتلال التركى، أصبح على الدولتين الإمبرياليتين الكبرييين حينها «تركيا وإنجلترا»- بالتعاون مع روسيا وبروسيا «ألمانيا حاليا» والنمسا أن تحد من قوة الدولة الجديدة التى صارت خلال سنين قليلة تهدد خططها الاستعمارية، فما كان منها أن تحالفت لتقويض سلطاته وهدم المشروع، وكانت معاهدة لندن فى يوليو 1840 لتضع مصر تحت الوصايه الأوروبية وتفتح باب التدخل الأجنبى فى شؤونها.

ما لبث مشروع الدولة الكبرى « الثانى» الحديثة والديمقراطية أن عاد مرة أخرى مع الحفيد «إسماعيل» الذى أنشأ مجلس شورى النواب «البرلمان» فى 1866 ثم المجالس المحلية المنتخبة وإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى بزيادة الرقعة الزراعية المصرية وشق الترع ثم تجديد الموانئ «السويس والإسكندرية» وإقامة المنارات البحرية، إضافة لأكثر من 23 مصنعًا، كما يحسب له اهتمامه البالغ بالتعليم المدنى وبالطبع الانتهاء العاجل من حفر قناة السويس وافتتاحها، بل إنه سعى بجهد بالغ لتقليل حجم الامتيازات الممنوحة للشركة الأجنبية من قِبَل عمه سعيد باشا، إلا أن هذا المشروع الحداثى والديمقراطى كان لابد له من مخطط إخفاق جديد حتى لا يتجدد حلم محمد على بدولة كبرى، فعزل «إسماعيل» وأجبر على ترك مصر.

بين الحاضر والمستقبل الاقتصادى


يقف الكيان الصهيونى بشكل عام ومبدئى ضد مصر، فهو العدو الأول بدون لحظة شك واحدة، إلا أن مشروع قناة السويس الجديدة يعد عائقا ضخما أمام المشروع الصهيونى فى المنطقة بأسرها، وأمام النمو الاقتصادى لهذا الكيان، فهو يعد ضربة شديدة القوة للاقتصاد الصهيونى المحتل، فهذا المشروع يقضى تماما بل وللأبد على مشروعه الضخم لإنشاء خط برى أو بحرى بديل ومنافس قوى لقناة السويس القديمة الذى كان الكيان يضع عليه أملا كبيرا فى نقل اعتماده على المعونات الأمريكيه إلى مصدر دخل ثابت حقيقى وكبير، وفى نفس الوقت ضرب قناة السويس كرافد اقتصادى مهم لمصر وممر لحوالى %23 من حجم التجارة العالمية.

جاء توقيت الإعلان عن المشروع بشكل استراتيجى قبل المؤتمر الاقتصادى الأهم والأكثر حيوية لمصر الذى سيعقد فى مارس المقبل والذى فى حال نجاحه يشجع استثمارات من دول كبيرة للتسابق فى خلق موطئ قدم لاستثماراتها فى هذا المشروع الواعد وفى بلد مستقبله الاقتصادى مبشر جدا كما يجعله ممرا ومخزنا رئيسيا للبضائع والتجاره العالمية يقدره البعض بحوالى %37 من حجم التجارة العالمية، إضافة للصناعات التجميعية والتحويلية التى ستركز جزءا كبيرا منها فى هذا المشروع، من هنا يتضح حجم المردود الاقتصادى الضخم على مصر والذى يبدو أنه سينعكس على حجم التنمية فيها خلال المستقبل القريب، وهو ما يعنى ترسيخ استقلاليه القرار المصرى السياسى والاقتصادى.
وللحديث بقية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة