نؤكد أن صلاح جاهين لم يكن "بدعا" بين شعراء العرب ولا العالم بحكمته وانتشاره وتأثيره، فهو كالمتنبى ملأ الدنيا وشغل الناس، كما أنه امتداد لظاهرة الشعراء الفلاسفة أو الفلاسفة الشعراء، فصلاح جاهين ينتمى إلى سلسلة فى الأدب العربى أشهرها أبو العلاء المعرى، واليوم تمر ذكرى ميلاده فقد ولد فى 25ديسمبر 1930.
فى السادسة عشرة من عمره، كتب "صلاح" يرثى الشهداء الذين سقطوا فى مظاهرات الطلبة بالمنصورة عام 1946 قائلا:
كفكفت دمعى ولم يبق سوى الجَلَد
ليت المـراثى تعيد المجـد للبلد
إنه صلاح جاهين الفنان التشكيلى والشاعر والممثل الذى كتب ورسم وغنى وفرح وحزن واكتئب، بل هو أكثر من ذلك إنه الشاهد على عصر كامل على بدايته ومجده وانكساره، هو ابن المرحلة الناصرية بامتياز، وأكثر المعبرين عن حبها، هو الحزين الذى قتله الاكتئاب فى المرحلة السادتية.
حاسب من الأحزان وحاسب لها
حاسب على رقابيك من حبلها
راح تنتهى ولابد راح تنتهى
مش انتهت أحزان من قبلها
لكن "عجبى" هذه المرة لم تأت من صلاح جاهين الذى قال هذه الرباعية ولم يلق لها بالا، لكنها جاءت من حاله، فلم يكن يعرف أنه أول الذين لم يطبقوا هذه الكلمات وهذه "الحكمة"، قالها وعبر، ولم ينتبه للأحزان التى سيطرت على روحه الشفيفة، لأن المعروف فى "سيرة الحياة" أن يكون عمر الإنسان أقل من "تجربة الوطن" لكن الذى حدث هو العكس فى حياة صلاح جاهين، عاش هو ورأى التجربة الناصرية تتوارى وتضيع.
كلماته أصبحت "حكما" يقولها الناس فى الشوارع، ممتلئة بالفلسفة الوجودية، لكنه فلسفته تهم الفقير والهامشى والضائع لم يبحث عن علة خلق الأرض والسماء، فقط بحث عن علة الإنسان وألمه وحزنه.
إيش تطلبى يا نفسى فوق كل ده؟
حظك بيضحك وأنتى متنكدة ..
ردت قالتلى النفس قول للبشر ..
مايبصوليش بعيون حزينة كده
بدأ "جاهين" حياته العملية فى جريدة "بنت النيل"، ثم جريدة "التحرير"، وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام للكاريكاتير فى مجلة "روز اليوسف"، ثم فى مجلة "صباح الخير" التى شارك فى تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتيرية مثل "قيس وليلى"، "قهوة النشاط"، "الفهامة"، وغيرها من الشخصيات.
وصدر ديوانه الأول "كلمة سلام" عام 1955، والثانى "موال عشان القنال" عام 1957، وفى نفس العام كتب أوبريت "الليلة الكبيرة" أحد أروع إبداعاته، وصدر ديوانه "الرباعيات" عام 1963، ثم "قصاقيص ورق" عام 1965. ثم جاءت الطامة الكبرى، وحدثت نكسة 1967، وحدث الشرخ الأكبر فى حياة الشاعر واستسلم للحزن الذى تحول لاكتئاب مقيم لم يفارقه حتى 21أبريل 1986.
أما عن آخر الكتب التى تناولت حياة وإبداع صلاح جاهين فهو ما قام به الدكتور حسن يوسف طه، أستاذ علم الجمال، بأكاديمية الفنون فى القاهرة من خلال كتابه الصادر فى ذكرى رحيل جاهين تنشر سلسلة "كتاب الهلال" (أبريل 2015) بعنوان "جماليات الإبداع عند صلاح جاهين " ويقدم مؤلفه الدكتور حسن يوسف طه بانوراما لثراء الإنجاز الأدبى لدى جاهين، فى الشعر، قصائد وأغان، والرباعيات و"الليلة الكبيرة"، وغيرها من الأعمال التى تضفى على حياتنا دهشة الاكتشاف الموصولة بالبهجة والمتعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة