لا أتعشم خيرا فى موضوع تجديد الخطاب الدينى، لأن المعنيين بالأمر إما خائفون أو معارضون، خائفون من المتشددين، وغير قادرين على مواجهتهم، أو معارضون للتجديد، وراضون عن التجميد، ويتعاملون مع هذه القضية المهمة والخطيرة، بطريقة ذر الرماد فى العيون، ودليلى على ذلك أن الأزهر الذى ارتضيناه قائدا لتيارات الوعى والاستنارة، لا يأخذ موقفا حاسما ورادعا مما تفعله داعش، وحين طُلب منه شهادة لوجه الله والدين، قال بملء فمه: «لا يمكن تكفير مسلم مهما بلغت ذنوبه»!
يا سلام!!.. ألا تفعل داعش فى المسلمين أبشع مما كان يفعله كفار قريش فى الصحابة الأولين؟.. ألم تروا الرؤوس التى يقطعونها بالسكاكين، والأحياء الذين يحرقونهم على نار هادئة، وإغراق الرجال والنساء داخل أقفاص حديدية فى برك المياه، واغتصاب النساء تحت مظلة جهاد النكاح، وهل يصح أن نقول على هؤلاء مسلمينا ولا يمكن تكفيرهم؟
كيف نتعشم خيرا فى تجديد الخطاب الدينى، والطرف الثانى فى المعادلة وهو وزارة الأوقاف، يسير على نفس النهج ويروج لنفس الأفكار، ويقول وكيل الوزارة الدكتور صبرى عبادة وكيل وزارة الأوقاف: إن «داعش يرفعون الأذان ويقيمون الفرائض، ولا يجرؤ أحد على تكفيرهم»، ومثل هذه الفتاوى تجعلنا نضرب كفا بكف، وتترك الأبواب مفتوحة على مصراعيها، لالتماس مبررات لجرائم لا يمكن تبريرها، ومن يتسامح مع الكبائر يغض الطرف عن الصغائر، تحت مظلة أنهم يقيمون الصلاة ويرفعون الأذان، ويتمسك بالشكليات ويترك الجوهر، ويخلع على الإرهابى والسفاح والمجرم ومصاص الدماء صفة المسلم، ويمنحه صكوك التوبة والغفران والإفلات من إراقة الدماء، وجرائمه التى لا يقرها شرع ولا دين.
التجديد لا يتحقق بعقد المؤتمرات والندوات، ولا باستعراض عضلات السجع والشعر والجناس، والإغراق فى مناقشات جدلية وفقهية، لا يفهم معظمها إلا من يتحدث بها، وشبعت بحثا وقتلا على مر التاريخ، دون الوصول إلى شاطئ آمن، ولكنه يتحقق إذا وضع علماء الأمة قضايا وهموم الأمة نصب أعينهم، وقاموا بمراجعة شاملة وجذرية وعميقة، للطرق والأساليب والمناهج، لتوصيل مبادئ الإسلام وأحكامه وتوجيهاته، ونشر رسالته السمحة التى تسعى إلى خير الإنسانية جمعاء، بنشر الحقائق ودحض الأباطيل وتفنيد الشبهات، دون خوف من سطوة المتشددين وإرهاب الألسنة والسيوف.
تجديد الخطاب الدينى ليس بالصوت العالى والصراخ، والخطب والمواعظ والدروس، وإنما رسالة تنويرية تستهدف العقول، والنفاذ إليها وتطهيرها من كل فكر يسىء للإسلام، ولا يستطيع أن يتصدى لهذه المهمة الصعبة، إلا من يمتلك القدرة والرغبة «معا»، فى زمن المتاجرة بالشعارات والهروب من المسؤوليات، علماء منفتحون على المتغيرات التى يشهدها العالم، ولديهم الجرأة والشجاعة للتصدى للأفكار الرجعية المتشددة، التى تسىء للإسلام والمسلمين.
القضية رقم واحد هى الإرهاب، وتصاعد موجات الكراهية والعنف والتطرف، واستدعاء دعاوى باطلة وظلامية ومتخلفة، تتخذ من الإسلام مرجعية لها، وتوظف خطابا مفرطا فى الغلو والتشدد، والإرهاب ليس فقط القنبلة التى تنفجر فى الأبرياء، ولا السكاكين التى تقطع الرقاب، ولا النار التى تشوى الأحياء، وإنما أيضا، فى الآراء الشاذة والفتاوى المتشددة التى تمسح عقول الشباب من مفاهيم صحيح الدين، وتعبئها بالعنف والتطرف وقنابل المسامير، فأى خطاب دينى نتطلع لتجديده، بينما نحن غارقون فى جدل عقيم، حول قضايا أكثر وضوحا من الشمس؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة