كثر الحديث عن أن مصر مستهدفة وأن هناك مؤامرة على مصر تستدعى وقفة جادة، فالكلام المرسل عن المؤامرة يؤدى إلى نتائج خطيرة، منها أن الشعب وصانع القرار لن يدرك حقائق العالم من حوله، وبالتالى سيتخذ مواقف خاطئة. كما سيصبح الخوف من المؤامرة «شماعة» أو آلية لتبرير القصور فى الأداء العام وارتكاب أخطاء وتجاوزات فى ملف الحريات. إذا كانت مصر مستهدفة بمؤامرات من بعض الدول، فإن مسؤولية الحكومة أن تعلن للشعب عن تفاصيل تلك المؤامرات، والدول أو الهيئات التى تدير هذه المؤامرات، وما هى الإجراءات التى اتخذتها الحكومة للتصدى لهذه المؤامرات، وإفشالها؟ لا يجب أن تسكت الحكومة وتترك المجال مفتوحا لبعض مقدمى البرامج وصغار المسؤولين فى الحديث الغامض - الغموض ينعش الكلام عن المؤامرة - وغير المحدد عن المؤامرات التى تستهدف مصر، لكن الحكومة لا تتحرك وأحاديث المؤامرة تتواصل.. وتنتشر.. وتتوغل فى قلوب وعقول المصريين، والأغرب أن بعض أحاديث المؤامرة فى الإعلام تتحدث صراحة عن أمريكا وبريطانيا والحكومة لا تتحرك، بل تستقبل ممثلين للدولتين وتسعى لدى واشنطن للحفاظ على المساعدات العسكرية التى تقدمها سنويا لمصر، ولابد للحكومة أن تعلن للشعب قائمة بالدول الصديقة والدول المتآمرة!!
يقال إن المؤامرة تستهدف ضرب الاقتصاد وإضعاف الجيش، وتقسيم مصر، ودفعها لحروب أهلية على غرار ما يجرى فى سوريا وليبيا.. أما الدول التى تتآمر على مصر فتبدأ من إسرائيل وتنتهى بقطر، مرورا بإيران وحزب الله، وحماس، وتركيا وأمريكا وبريطانيا، وأحيانا الغرب الاستعمارى كله. أظن أن بعض هذه الدول يهمها استقرار مصر لانه يحقق مصالحها، واثق تماما أن ما جرى لسوريا أو ليبيا لا يمكن أن يتكرر فى مصر، لأننا دولة مؤسسات راسخة، ولا نعانى من الطائفية أو المذهبية أو القبلية أو الجهوية كما هو الحال فى سوريا أو ليبيا أو اليمن. تبقى مؤامرة إضعاف الاقتصاد وهى مؤامرة من صنع أيدينا، نحن الذين نستورد أكثر بكثير مما ننتج، وللأسف نستورد سلعا استهلاكية لا معنى لها، ويمكن الاستغناء عنها بقرار يصدر فى 24 ساعة. أما أزمة السياحة فهى ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وستحل قريبا.
القصد أننا يمكن ومن خلال التخطيط الجيد والعمل الجاد هزيمة كل المؤامرات التى يقال إنها تستهدف مصر، طبعا أنصار التفكير بالمؤامرة لن يعجبهم كلامى لأن لديهم قناعات راسخة، وأجوبة جاهزة وساذجة لا يمكنك مناقشتها أو إقناعهم بغيرها، لماذا؟ لأن التفكير بالمؤامرة هو نوع من التفكير الأسطورى غير العقلانى، مقدمات هذا النوع من التفكير تؤدى إلى نتائج مختلفة تماما ومتناقضة مع المقدمات التى انطلقت منها، لأن لدى نظرية المؤامرة قدرة عجيبة على الربط بين أشياء لا علاقة بينها، فضلا عن تأويل وتفسير أى شىء وفى أى وقت للتأكيد على وجود المؤامرة. وإذا كانت مصر مستهدفة فإن كل دول العالم مستهدفة.
من البديهيات أن لكل دولة مصالح تعمل على تحقيقها على حساب مصالح بقية الدول، لذلك عرفت البشرية الصراع بين الأمم والدول، والذى يعتمد على عناصر القوة بالمعنى الواسع للكلمة، سواء قوة اقتصادية أو عسكرية أو إعلامية، ولم يكن سلاح المؤامرة من بين عناصر قوة الدول، طيب يعنى مفيش مؤامرة؟ سأجيب، لا مجال للمؤامرة بالمعنى السائد فى مصر والذى يصور أن بعض الدول لديها مخططات ومؤامرات ضد مصر والعرب، وتنجح دائما فى تحقيقها، ونحن دائما مستسلمين ومفعول بنا، ولا نستطيع أن نقاوم. لا وجود للمؤامرة بهذا المعنى.. وإنما هناك فقط تخطيط استراتيجى تقوم به كل الدول للحفاظ على مصالحها فى إطار الصراع الدولى، وكل الخطط الاستراتيجية لا يمكن أن تنجح أو تنفذ بشكل كامل، طالما أن هناك إرادة وفعلا جادا لمقاومتها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة