الدولة المدنية هى الدولة التى تحتكم إلى الدستور، ويحكمها القانون ويسودها العدل ولا تفرق بين مواطنيها على أى أساس. هى الدولة التى تترعرع بالحرية وتنمو بالديمقراطية وترفع لواء المساواة.
هى الدولة التى تعلى من حرية الرأى والفكر والتعبير، وتحترم حرية العقيدة أياً كانت هذه العقيدة فهى من أخص خصوصيات الإنسان بعلاقته مع الله، وهذا غير الدولة الدينية التى يحكمها ما يسموا برجال الدين، سواء كان هذا بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الوصاية الدينية التى يفرضونها على البشر باسم الدين، وتحت ادعاء أنهم حماته والأوصياء عليه.
ولذا يتم الخلط بين الدينى والسياسى، فيكون الدينى مستغلاً لصالح السياسى أى لصالح المصالح الذاتية والحزبية والتنظيمية. والتدخل باسم الدين واستغلال العاطفة الدينية يمكن أن يكون لصالح برنامج وتوجهات ورؤية دينية تتبناها جماعات تمثل وجهة نظرهم دون غيرهم من أصحاب الدين، ويمكن أن يكون التدخل لصالح نظام بعينه أو سياسية بذاتها، وهذا يكون لصالح رجال الدين والمؤسسة الدينية قبل صالح الجماهير، لذا وجدنا الدستور فى المادة 74 يحظر قيام أحزاب على أساس دينى وهى الأحزاب التى تفرق بين المواطنين من أتباع دين ودين آخر، إضافة إلى أن قانون مباشرة الحقوق السياسية يمنع تماماً المؤسسات الدينية ورجال الدين من التدخل فى العملية الانتخابية.
وحسناً فعل وزير الأوقاف، عندما سحب تصاريح الخطابة من المنتمين والمنحازين إلى أحزاب ومرشحين، ورأينا تحويل كثير من الأئمة إلى التحقيق لهذا السبب، ولكن ما تم فى المرحلة الأولى للانتخابات أثبت ذلك التدخل بشكل سافر، الشىء الذى يسقط القانون ويشوه الصورة الانتخابية، ويمثل ممارسة وصاية دينية على الناخبين بل يكرس مناخاً طائفياً بين مسلم ومسيحى، ذلك المناخ الذى يمثل خطورة حقيقية على سلامة الوطن وأمنه، فقد وجدنا حزب النور يمارس ذات الممارسات التى اعتاد عليها التيار الإسلامى استغلالاً للدين وللعاطفة الدينية.
كما أنه فى المقابل ونحن منذ ثلاثة عقود نحذر ونحذر من تدخل الكنيسة فى السياسة، لأن هذا لم ولن يكون فى صالح أحد على الإطلاق، ولكننا شاهدنا وللأسف تصريحات وادعاءات بأن الكنيسة لا تتدخل فى السياسة ولا فى العملية الانتخابية، ولكن فى الواقع، التدخل قائم وحادث بكل الطرق وبشتى الأساليب، والأهم أننا قد شاهدنا تسجيلاً للأنبا بولا الذى قاد تدخل الكنيسة فى 2012 ويقوده الآن، وكأن الأمر تقسيم أدوار، فهناك من يقول إننا لا نتدخل وهناك من يتدخل بالفعل.
رأينا الأنبا بولا فى أحد كنائس مصر الجديدة يقول ويدعو ويحمس الأقباط لكى ينتخبوا مرشح حزب معين مع قائمة بعينها، فكيف يكون هذا؟ وما تبريره؟ وهل الأنبا بولا خارج نطاق الالتزام الكنسى؟ وما هو دور الكنيسة والبابا الذى يؤكد دائما عدم تدخل الكنيسة فى هذه السلوكيات؟ وما هى الإجراءات التى يجب أن تتخذ فى هذا المجال، تطبيقاً للقانون ومثل ما حدث مع الأئمة ؟
أليست هذه الممارسات جميعها تدعو وتمهد للدولة الدينية فى الوقت الذى تقول فيه الكنسية إنها مع الدولة المدنية؟ وكيف نغفل هذه السلوكيات التى تستهين بالدستور وتسقط القانون؟ هذه ممارسات مرفوضة وآثارها سلبية ونتائجها كارثية، ولن تساعد أبداً على أن تكون مصر لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة